الأربعاء، 8 نوفمبر 2017

بعد عام و نصف في تركيا.. مفاجآت رحلة العودة الى سوريا



لم أتوقّع أن يكون الغياب عن سوريا لمدة عام و نصف غربةً، فأنا أتابع تفاصيل الأخبار اليومية عبر مواقع و مجموعات التواصل الاجتماعي، و  لكن القرار الذي باغتّ نفسي به و هو العودة من عنتاب إلى الباب شرقيّ حلب لأستقرّ هنا بعد خروج داعش و خلوّ المنطقة من جبهة النصرة و توقّف القصف..
كان قراراً مفاجئاً.

تبدأ الرحلة عبر بوابة الزمن "معبر باب السلامة" و الذي ينقلك من مدينة كلّس التركية إلى اعزاز السورية، نعم هي بوابة زمن حقيقية، حيث تفاجئك في لحظة دخولك لسوريا كميةٌ غريبة و صادمةٌ من الصور، أولها الغبار و الأتربة التي تملأ الجوّ هنا و لم تكن موجودة في تركيا منذ لحظات، من ثمّ شكل السيارات المترهّلة و العدد الهائل من الدراجات النارية التي تصرخ ملأ صوتها.

الصورة الثانية كانت لرجل خمسينيّ أسمر يلبس "جلابية و حطّة حمراء"  بشاربه الأسود الكثيف و سيجارته "الوطنية" الطويلة، دفعت هذه الصورة الدماء مجدداً بقوة في كل انحاء جسدي و خفق قلبي ودّاً و دفئاً و شوقاً، لم يغِب هذا العمّ مطلقاً عن أيّ صورةٍ لسوريا في المخيلة أثناء الغياب ، لكنني أراه أمامي و تمنيت أن أضمّه و أبكي بقوّة، غير أنني تماسكت حين أشار لنا سائقُ سيارةٍ فضيّة اللون للصعود معه باب سيارته الخلفيّ لا يُفتح من الخارج و زجاجها شباكها اليساريّ استبدل بآخر بلاستيكي،  سألت صديقي إن كان يحمل عملةً سورية ليدفع أجرة التكسي فابتسم و قال لي: لا أنت عن جد صاير سائح!

لم أفهم جوابه إلا بعد نزولنا من السيارة و شكر السائق الذي أقلّنا بطريقه كمساعدة دون أجرة!
حقيقةً كنت قد نسيت تقريباً هذه الطيبة و الشهامة منذ انصهرت بمجتمع عنتاب.

بعد وصولنا إلى دوّار "سجّو" الذي يقع في منتصف الطريق بين اعزاز و المعبر استقلينا حافلة ركاب "سرفيس" و كانت أجرة الراكب 500 ليرة سورية، لم أُصدم كثيراً من الرقم فذاكرتي لم تعد تحمل أية معلومة عن المسافات و الأجور، دخل السرفيس إلى كراجٍ على يمين الطريق و هناك يجلس ثلاثة أشخاصٍ لا يضحكون على كراسٍ معدنية فتح أحدهم عابساً باب السرفيس السحاب بقوّة و سألنا من اين اتيت و الى اين تذهب و اسمك و عملك..
قلت له مراسل قناة... ربما لم يسمع اسم القناة فقاطعني ببعض ابتسامة: يعني اعلاني!
و لم يأخذ بطاقتي الشخصية تكريماً لي.. لكنه اشار بالنزول لرجلٍ اربعيني يلبس "جلابية" بنية متسخة و اشعث اغبر ، زوجته التي ترتدي ملابس ريفية بدأت بقراءة المعوذات بعد أن أخبرها : مالي مطوّل..جاي جاي..
خمسة دقائق طويلة غاب الرجل الأشعث فيها داخل المبنى و زوجته تتعوذ و تقرأ و تدعو له و ابنها الصغير يكرر سؤاله دون كلل أو ملل : وينه بابا..وين راح بابا؟
و عاد الرجل و انطلق السرفيس و وصلنا إلى اعزاز.
استقليت سيارة أجرة من اعزاز الى الباب، بعد أن حوّلت ما امتلك من العملة التركية الى السوريّة، صدمني رقم الأجرة فأول سائق طلب 17000 ليرة و الثاني 15000 و العم ابو ديبو بسيارته من نوع "سابا" طلب 11000 ليرة فاخترت الذهاب معه.

كان الطريق طويل جداً بسبب الحفر و الحفر و الحفر، فالمسافة 60 كم فقط استغرقت معنا ساعتين للوصول، و أثناء الرحلة رأيت أطفالاً يشيرون باصبعهم السبابة للسيارات بيدهم اليمنى و يحملون باليسرى مجرفة طويلة.. سألت العم "ابو ديبو" عنهم فقال بأنهم يردمون الحفر في الطريق و يأخذون 100 ليرة من السيارات المارة اجرة عملهم و هناك من يدفع و هناك من لا يدفع.
الاطفال يسكنون في خيامٍ على جانب الطريق، تملؤ وجوههم البريئة الاتربة الحمراء و السمرة الشمسية الفاقعة، توقف العم الى اليمين بطلبٍ مني لاصوّر طفلة صغيرة و فاجأتني بخجلٍ و براءة لم أكن اتوقعها ابداً فهي تعمل في الشارع و تتعامل مع سائقي السيارات، و لم تجاوبني على أي سؤال، و تابعنا المسير.. إلى أن وصلنا إلى الباب و هناك توالت المفاجآت..

يتبع..

الأربعاء، 11 أكتوبر 2017

قصص ابو عبدو جارنا- جعلوني بطلاً وهمياً..(17)

النق غير المنتهي من قبل أم عبدو دفش أبو عبدو جارنا ياخدها على سوق الانتاج، و أم عبدو طق مخها من الفرحة وقت وافق أبو عبدو…. و جهزت هالبزر "عين الشمس" و ترمس الشاي و صندويشات الدبس بندورة، و انتظرت هي و جاهزة و لابسة هالمانطو و "الباشاي" عالبلكون ليجي ابو عبدو، والاولاد كانوا متعربشين جنبها على حديد البلكون، و هي عم تعيط على هاد، و تضرب سلام لهي الجارة، و تقول لعبدو شيل الخبزة من ع الارض، و اندارت ع المراية المشعورة المصدية اللي ع البلكون تطلع على وجهها المبسوط و تعدّل وضع "الباشاي"..... صرخ عبدو صوت من قحف راسه : أجا بابااااااا…. وصلوا على السوق و دخلوا و هالزحمات و الاضواء و الاصوات العالية والعيلات و الشباب و البنات والمحلات اللي مصفوفة جنب بعضها و عم تعرض بضايعها و صوت ميادة الحناوي عبيرقع من المكبرات تبع سوق الانتاج القديمة، و شقد تندهش ام عبدو : يي شوف لك ابو عبدو هاد بسكويت الشرق! - شايفة بحياتنا ما شفناه.. اي والله .. - خدلك كرتونة لك خاي من هاد ابو الزبدة .. - أم عبدو حاج تعيدي نفس المنظر قدام نفس المحلات اللي منشوفهن كل سنة بنفس الترتيب بنفس الوقت بنفس الوهرة تبعيتك .. والله ما في داعي يعني..
و جمدت ام عبدو و نيشنت على هدف و ارتعب ابو عبدو و صاحت هداك الصوت: - يااااااااااااااا.. - لك اشبك؟ - عبد المعين عبد المجيد … تلفزيون والناس … وركضت ام عبدو و زتت كلشي بايدها .. و ابوعبدو من حرجه عم يشوف المشهد عالبطيء … أم عبدو ذات الوزن الثقيل عم تركض بالمانطو تبعها و تتطاير من حواليها الاكياس و شي يطير كيس بوشار من ولد وهي عم تلولح بإيديها اثناء الجري.. و لقطة مرة عم تاكل كف عالبطيء بالغلط بالايد التانية من ام عبدو الطايشة…. و كأنه عصار #إيرما و حواليه هالكياس والناس عم تتطاير ذات اليمين و ذات الشمال.. هيك حتى مسكت المكرفون من ايد المذيع و صاحت: اهلين و سهلين "استنى لالقط نفسي شهيق زفير..شهيق نهيق" اي تفضل يا حلو اسألني خاي… ضحك المذيع و الفريق اجا يسحبها و قلهن عيفوها عيفوها: - عرفينا عن حالك و اول مرة حضرتك بتجي لهون؟ - أي انا ام عبدو … لا يي شلون اول مرة الله يسامحك كل سنة بجي انا وجوزي و ولادي و قبلها كان ابوي يجيبنا مع امي و اخواتي.. انشهرت ام عبدو كتير من اسلوبها العفوي بالحكي و صارت اشهر وحدة بالحارة، و كل ما بتمشي بمكان الكل بيسلم عليها اهلين ام عبدو و تفضلي ام عبدو.. و استمرت الشهرة لفترة منيحة و زادت لانه هي حبت القصة .. مرت سنين و انتست قصة ام عبدو... واجا عصر الموبايل.. ام عبدو حطت المقابلة على موبايلها.. من شريط فيديو سجلت المقابلة عليه وقتها.. لحد ما مرة ابوعبدو هو و ماشي وقع بحفرة بالشارع و انكسرت رجله، و بالصدفة اجو جامعة برنامج الخدمات عالمشفى و بدهن يعملوا معه مقابلة ... ما خلته ام عبدو يحكي .. سحبت المكرفون من ايد المذيعة و طالعت موبايلها من جيبتها و شغلت مقابلتها بسوق الانتاج و قالتلا: - نحن من وقت هي المقابلة هيك بتصير معنا هي القصص..مستهدفين... و انبلقت ام عبدو بالحديث .. و صار المقطع عاليوتيوب و انتشر بكل سوريا و صارت حديث الساعة… أبو عبدو المكسورة رجله.. رجع من المشفى عالبيت بعد كم يوم يا غافل الك الله.. ما شاف غير الصحفيين والتلفزيون سابقينه عالحارة و بدهن يعرفوا قصة اللي دفشه عالجورة… - يقولون أن الشخص الذي دفعك إلى الحفرة كان يتقصد ايذاءك بسبب الغيرة! - يقولون بأنها ايادي الماسونية والموساد و المؤامرة الكونية ! - ماذا ترد على من قال بأن من حاول قتلك هو الشخص الذي حاول سحب المايك من يد ام عبدو في مقابلتها الشهيرة في التسعينات… أبو عبدو كان متلبك .. بس عجبته فكرة انه يصير بطل و ساق بالكذبة .. و بالفعل تسجلت الحادثة ضد مجهول، و انكتب عن "محاولة قتل المشاهير في سوريا في سياق المؤامرة الكونية" … بس المفاجأة وقتها كنت مصروف من شغلي و رجعان عالبيت و شفت أبو عبدو تحت البناي واقف قدام الباب.. و سألته: - خير استاذ ابو عبدو؟ تبدو مكتئباُ!! - شوف هالفيديو .. طلع في كميرا مراقبة لمحل قدام الحفرة اللي وقعت فيا..و انكشفت القصة.. احترقت.. - يعني رجعت لحياتك الطبيعية؟ - أي و الله.. - أي ضحاك بعبك لانه الله بيحبك .. خلصت من هم الكذبة و البطولة الوهمية ورجعت طبيعي…متل ما نحن منحبك.. - أي بس ام عبدو طاير عقلا و بدا تدبحني اذا شافتني.. - ابعت حدا يقلا انه بدك تتجوز عليها .. و بتلاقيا نسيت كلشي .. و لا بقى تعيدا..انت طيب و شهم و صادق..حبيبنا.. #موطن الشاهد الحياة صعبة.. والكدب سهل.. و الانكشاف صعب..و الهروب سهل...و العودة صعبة.. في شي اسهل من شي و شي أصعب من شي.. و احسن شي .. لا تلحق كذبة شي حدا بدو يعمل منك شي انت احسن من هالشي و لا رح تفرق معك بشي...

الاثنين، 15 مايو 2017

قصص أبو عبدو جارنا - مدينة النسوان...(16)

لما كان #أبو_عبدو_جارنا صغير و أول ما شاف بالتمانينات فلم مصري فيه "بوسات" و تشليط.. بلش يفكّر و يحلم بالجنس الآخر، و قلي أنه و هو صف سادس كانت أقصى أحلامه هي أنه يشوف بنت الجيران مزلطة!
و كان يتخيل قبل ما ينام أنه لبس طاقية الإخفا تبع افلام الكرتون و دخل على حمام النسوان، و كان يحاول دائماً أنه يختلس النظر على غرف المشالح لما يروح على بياعي الألبسة النسائية مع أمه، و أحياناً يسرق نظرة من هون أو من هون، بس بالليل كان يبكي و يستغفر ربه كتير و يتوب و يقول حرّمت هي آخر مرة يا ربي سامحني و لا تاخدني عالنار.

أبو عبدو صارت عندو قصة البنات عقدة و خصوصي أمه الله يصلحها كانت كتير كتير تخوّفه و تزوّدها حتى صار انطوائي و يخجل من أي مرة أو بنت بتحكي معه،  يعني قلي أنه وقت أجتهم آنسة الانكليزي "هند" بالصف التامن، كان كل الصف يطلع عليها و هي عم ترفع جرابها الأسود "الفوال" لفوق الركبة، إلا هو كان يخجل و يدير وجهه...
 و رفقاته اللي قاعدين بالمقعد نفسه سجلوا عندها دورة بالبيت و صاروا يحكوله قصص و حكايا و مغامرات، شي شافوها بالمنشفة و هي طالعة من الحمام، و شي شافوا صورتها بالمايو و قصص ما الها والي، و عجزوا فيه انه يروح معهم درس واحد كضيف، و بعد ضغط كبير عليه وافق و راح معهم و هو وصل عند باب بيتها و فتحت الباب و شافها بملابس البيت و بدون حجاب، احمرّ وجهه و غص و ركض عالبيت بدون ما يحكي و لا كلمة، و راح دفن راسه تحت المخدّة لتاني يوم.

كبر أبو عبدو و حاول التأقلم مع هاي العقدة و لاقى حلول أنه ما يحسس حدا فيها، و بالفعل ما حدا حس عليه حتى مرته أم عبدو، مع أنه توقع تنفكّ العقدة بعد ما يتجوز .. و لكن بدون جدوى!

دارت الأيام كما تقول أم كلثوم، و مرت الأيام و رجعت حلب لإيد النظام و أبو عبدو بعد تردد كبير و خوف و عدة قرارات متباينة، قرر يبقى بمناطق النظام، و كان اليوم الأول اللي بدو يعبر فيه من بستان القصر للجميلية بعد ست سنوات من السكن بالمناطق المحررة.

نزل أبو عبدو من بيته و وصل عالسرفيس.. استغرب أول شي .. لقد كان المنظر مهيباً، أبو عبدو صار قدّ الكمشة، كل ركاب السرفيس بنات!.. تطلع بنت العشرين و تقعد جنبه .. و تنزل بنت التلاتين! و على هاد و متله .. و أبو عبدو داير وجهه عالشباك و لونه مخطوف و هالبارفانات و الأصوات الأنثوية عم تهف حواليه، لحتى وصل عالجميلية و نزل من السرفيس و مشي أبو عبدو و شاف بنت عم تبيع شاورما، ضحك و عرف أنه عم يحلم، و رفع راسه و كمل بالحلم و كل المشاة حواليه بنات شي بمانطو و شي سبور و شي بحجاب و شي بلا حجاب، و صار يحكي معهن عادي و والكل كان عم يتطلع عليه و كأنه الرجل الأخير في حلب.

ضرب حاله أول كف و التاني عند الحاجز و لكن ما صحي أبو عبدو، و ناوله الهوية و مرق بعد بهدله أدبية  و كفين لأنه من بستان القصر، و قال بدي روح على حمام النسوان .. لحتى يكمل الحلم معي.. و بالفعل وصل على حمام النسوان و دخل جادبها و قال شو بدو يطلع من أمرها .. هو حلم..

كان أبو عبدو طاحش الطحشة الغريبة و متمسح و كأنه ما عم يسمع، و المرة اللي عالاستقبال عم تصرخ و تولول، قلي أبو عبدو أنه المشهد بطيء كان انا عم امشي باتجاه باب الدخول و الموظفات عم يركضوا و يولولوا حوالي.. و فتحت الباب و شفت أول مرة من الوزن الثقيل بوجههي و غمي علي..

بعد ما طلع من المشفى أبو عبدو بسبب ضربه بمقلاية حجم عائلي على رأسه من قبل الموظفة بعد أن تجاوز باب الدخول، تحول عالمخفر و انحبس كم يوم و طلع من الحبس و هو مو فهمان شو هالحلم!
و بطريقه من السجن للبيت كمان شاف بنات و نسوان عالطرقات و بوسائل النقل و نسبة الرجال اللي شافهن ما بتتجاوز ١ بالمية!.. كمل و وصل عالبيت و عرف القصة...

و حكالي عالواتس أب:
أنا: أي و بعد ما طلعت من السجن!
هو: الله لا يرويك.. أتاري مو حلم.. بس حلب ما بقيان فيا زلم.. كله يا طيفش يا مهاجر يا مقتول يا محبوس!
أنا: ههههه .. بس حققت حلمك و شفت حمام النسوان
هو: الله لا يرويك عهالشوفة اللي شفتها .. لك حظي من يوم يومه أسود.. الله وكيلك ما شفت غير ختيارة وزنها ١٥٠ كيلو و عم تتحمم بالملحفة و مغطية وراها كلشي... لا و صرخِت صوت بالمقلوب لما شفتها...
أنا: يعني انفكت عقدتك و لا لأ؟
هو: اي صايرات متل الرز .. عبشوف كل يوم مشكل ملون و اجباري بدي اتعامل معهن .. شي بياعة و شي موظفة و شي شبيحة عالحاجز.... ما بقي غير تشتغل شوفيرة تكسي .. و يمكن في بس أنا ما شفت..
أنا: ههههه يعني ما بقيان عرسان بحلب؟ من وين عم تستوردوا؟
هو: و الله الوحيد متل حكايتي ما بيهمه هالأسئلة .. نحن العين علينا هالكم شامة اللي نفدوا من الطوفان.. أبو التأجيل  و الوحيد و الكبير بالعمر... الباقي عالجبهات بدون تدريب يعني عالموت...
أنا: شو مشروعك القادم لكان؟
هو: مثنى و ثلاث و رباااااع... ههههه


موطن الشاهد: لا تخلط بين الحلم و الحقيقة ..خليك عالارض












الأحد، 7 مايو 2017

قصص أبو عبدو جارنا - اللعب مع الجان ج4 ...(15)

الاجتماع بدكانة محمد المصلح اله طعمة و ريحة غريبة، يعني ريحة القصدير اللي بيشتغل فيه مع ريحة الرطوبة اللي معبية المحل اللي فيه تلل كراكيب و قطع الكترونية و العتمة و الضيقة، و ما عدا هيك عم نلعب مع مساعد بأمن الدولة و ساحر..

الحارة كانت هادية متل أي يوم تاني، و الاولاد عم يلعبوا فيها رايحين جايين من قدام الدكان، و نحن الخمسة متجمعين حوالي الموبايل و محمد كبس زر التسجيل على مسجلة الكاسيت اللي عندو و بلش الصوت يوصل:
الشيخ: ألو ..ألو..
زوجته: مع مين عم تحكي؟
الشيخ: مع الأرشيف بالفرع .. بدي معلومات عن زبون اليوم جاييني.. ما عبيردوا العرصات...

وقت قال "عرصات" كلياتنا طلعنا بأبو عبدو اللي مقدسه للشيخ و قال عنه أنه ما بيحكي كلمة غلط هيك ولا هيك .. و هو طلع بالسقف و صار يحك راسه...تابعنا التنصت .. و بعدين عرفنا كل الترتيب و بناء عليه توزعت المهام و كان باقي لموعد أبو علي مع شريك الحفر الجديد خمس دقايق و أجا بالفعل الزلمة و عرفنا أنه المساعد أبو ابراهيم بيجيب فيش الزبون قبل ما يوصل لعنده من أرشيف الفرع تبعه... و بيدوخ الزبون .. و أنه حابكها مع الفرع من عشرين سنة أنه بطريقة الشيخ بيجيب معلومات عن المواطنين و بيخدم الفرع و بنفس الوقت بينصب عليهن مصاري و بيعطي لمعلمه رزقته إذا وصل شي لفوق و بيحبس الزبون اللي بيطلع عليه بالعالي بتقرير صغير للفرع بيودّيه بخبر كانَ...

أبو أحمد الخضرجي ما كان يحكيلنا قصته مع الشيخ .. حاولنا نعرف و كان ينكر .. مع أنه مبيّن أنه حاقد عليه و أنه فلّس كمان من وراه .. و بعدين عن طريق النسوان عرفنا أنه الشيخ شافط منه كل مصاريه على أساس يشفيله بنته من العقم!

وصل أبو علي و شريكه لعند الشيخ أبو ابراهيم و دخلوا و قعدت أنا عالبلكون و عم راقب و أبو أحمد الخضرجي كان عم يتنصت و يسجل الحديث و محمد المصلح واقف بباب بنايته للشيخ و عم ينتظر إشارتي..
طفي الضو بالغرفة و اشتغل الضو الأخضر و أبو أحمد سمع الطلاسم الغريبة و عطاني اشارة من تحت بالبيل الكشاف و أنا ركزت عالبلكون و عطيت اشارة لمحمد المصلح و محمد نط بالقطاعة اللي بإيدو و قطع كبل الكهربا الخارجي اللي ممدّد للبلكون و ركض محمد عمحله ... و أنا نزلت كمان و قعدنا نتسمع شو عم يصير.. و ما في خمس دقايق الشباب نزلوا..

قعدنا بمحل أبو علي لأنه ابعد شي عن بيت أبو ابراهيم الشيخ .. و أوسع... و كان أبو علي عم يضحك و يتكركر..قله أبو علي لمحمد يساوي شاي و هو عم يتسهسك.. و الكل عم يطلع فيه بنظرة ازدراء:
أنا: أي و بعدين أبو علي ! ما رح تحكيلنا اش سبب هالضحك ؟
أبو علي: هههه أي .. يلا .. هههه شو بدي أحكي لأحكي .. يا شباب.. دخلنا لعند الشيخ و استلمنا عشرة بلدي كالعادة و سرد قصة الشب اللي معي من طقطق للسلام عليكم ..
أنا: أي .. هي منعرفها و سمعناها .. بس وقت كان عم يقول جاهزين و وين البخور .. خلص شحن الجوال اللي فوق و ما عاد سمعنا شو صار بعدين..
أبو علي: هاد يا سيدي .. جاب هالبخور و المنقل كالعادة و صاح الكلام اللي بيقوله عادةً و طلع بطرف عينه عالباب ما تحرك الباب.. و طلع عالضو ما انطفى الضو.. و بعدين حاول يهز المنقل بايدو لانه مع عم ينهز و يطير كالعادة ههههه...
محمد المصلح جاب الشاي و قال: قلتلكن هي الدارة هي اللي بتحرك كلشي و بتطفي الضو و بتشغله.. الكهربجي اللي ركبها صاحبي و حكالي كلشي .. يعني متل ما توقعت.. تفضلوا اشربوا شاي..
أبو علي: لك أي و الشيخ ما بقى يعرف اش بدو يحكي .. و آخر الشي قال الظاهر الجن الأحمر مشغولين بمعركة مع الجن الأزرق ما حدا عم يرد عليه هههه... و قال نجي شي يومين...
محمد: و الله لادوخه.. رايح اوصل الكبل قبل ما ينزل و يعرف العطل..
أنا: شو رأيك أستاذ ياسر.؟ بيطلع مادة مرتبة من اللي شفته؟

الكل طلع على شريك أبو علي باستغراب .. ما الهن خبر انه ياسر جبر هو الشريك و انه هو الصحفي المعروف بقصص الفضايح و ما بيخاف من كلمته و قلمه جريء.. نحن عطيناه للشيخ غير اسم و هو  بحث عنه و جاب معلومات شخص تاني و مرقت عليه..

ياسر: مو مادة بس رح افضحه بتحقيق صحفي و نزله عالموقع بالتسجيلات الصوتية اللي عندكن و الصور السرية اللي صورتها ..

كانت سهرة الانتصار على الدجل عامرة بالضحك و القاء النكت و الاغاني و الرقص.. و خلصت السهرة الساعة ١٢ بالليل تقريباً و كل واحد راح على بيته .. كان أبو عبدو جارنا الوحيد اللي خايف .. بينما الكل كان حاسس أنه قضينا على الشيطان و ما بقى يتكرر اسمه مرة تانية .. و الناس رح تحسب الف حساب قبل ما تروح لعند دجال تاني بعد ما ينفضح بالإعلام ..


اليوم التاني كنا بانتظار المادة الصحفية .. نزلت عالحارة و كان يوم جمعة و بعد الصلاة الحارة بتصير حارة ملائكة الكل لابس كلابيات بيضاء و عاملين حلقات دينية و عم يتناقشوا بخطبة الشيخ و بأمور الدين .. و عربيات الخضرة قدام الجامع و بياع الجرابات و بياع القطعة بخمسة عاملين جوقة موسيقية و عم ينادوا على بضايعهم ..

بعد ساعة فتحت موبايلي لشوف موقع الاستاذ ياسر اذا نزل الخبر و لا لسه .. مرّ من جنبي الشيخ أبو ابراهيم و ابتسم ابتسامة خبيثة و طلع فيني من تحت لفوق و راح.. فتحت الموقع و لا نازل خبر عاجل عن اختفاء الاستاذ ياسر في ظروف غامضة...

طبعاً ما رجعنا حاولنا .. و ابو علي سكر دكانته اكتر من شهر لحتى انتقل أبو ابراهيم من الحارة ... و أبو عبدو جارنا سافر عالضيعة .. و الحارة نصها فضيت .. الكل طفش.. و الشيخ ابو ابراهيم عمل زاوية جديدة بحارة تانية ... و تالتة و رابعة.. و بعد الثورة عمل كتيبة كبيرة و حارب و ناضل و الكل قال "الثورة تجب ما قبلها" .. و بعد سنتين رجع لحضن الوطن و صار يشتغل بالمصالحات ...

موطن الشاهد: عوجة...


-انتهى-

اقرأ الأجزاء السابقة: 






الجمعة، 28 أبريل 2017

قصص أبو عبدو جارنا - اللعب مع الجان ج3 ...(14)

كانت مهمتي الجديدة أنه أقنع #أبو_عبدو_جارنا بالعودة للخطة المرسومة للانتقام من الشيخ أبو ابراهيم الدجّال، باعتبار أنا أكتر واحد مقرّب منه و بفهم عليه.

اجتمعنا الساعة ١٢:٠٠ ليلة قدوم الشيخ بدكان محمد المصلّح و هو دكان ضيق و طويل و مليان كراكيب... تلّة كراكيب عبارة عن قطع الكترونية قديمة، في بنص التلة هي ٣ كراسي و طاولة التصليح و ضو لمبَدير تبع المصلحين فوقها، انسحب محمد من القعدة و طلع و سكر الدرّابية "الغَلَق الخارجي" علينا و شغلنا اللمبَدير و قعدنا و كان أبو عبدو لسه عم يرجف و خايف:
أنا: أبو عبدو روق.. ليش مرعوب؟
أبو عبدو و صوته عم يرجف و عيونه عم تطلع يمين و يسار و فوق و تحت:
- دستور من خاطركن ..لك بدك تلعب مع الجان انت و هدول الجدبان!

بعد ما خلصت جملته انطفى الضو... و شهق أبو عبدو شهقة عظيمة .. و حاولت أشغل شي ضو صغير بس كانت إيدي عم ترجف و أنا عم أسمع أبو عبدو عم يتمتم و يبكي .. و فجأة تحرك شي من جوا التلة .. طقطقة و قطع عم توقع عالارض و صوت واحد عم يحكي كلام مو مفهوم كأنه عم يتجشأ... أبو عبدو حط ايدو على راسه و انكمش عالأرض و صاح:
- دخيلك يا سيدي .. أنا ما الي علاقة!

اشتغل الضو و دخل محمد عم يضحك و طلع من ورا الكراكيب أبو أحمد الخضرجي و هو مهستر من الضحك و أنا كنت مشترك بالتمثيلية و عم شوف ردة فعل أبو عبدو و خفت تجيه الجلطة...
أبو أحمد: لك أنت جدبة شي؟ ههههه قال دخيلك يا سيدي.. ههههه بلكي الجني طلع فرنسي ما بيحكي عربي!
محمد المصلح: لك قرا القرآن كله ... هههه أحلى أبو عبدو .؟؟

المهم شرحنا لأبو عبدو أنه هاد اللي عم يعمله الشيخ تمثيل و أنه في حدا عم يساعده، و بالفعل كانت أثر العلاج بالصدمة اللي عملناه مع أبو عبدو مفيد يعني صحيح كان رح ينجقم أو ينشل شلل نصفي، بس المهم النتيجة متل ما قال أبو أحمد الخضرجي.

بعد ما شرب أبو عبدو ٣ طاسات رعبة و هدي و رجع يبتسم شوي، حكالنا قصة خوفه من الشيخ و قلي:
- أنا وقت كنت صغير كانت أمي تحكيلي قصص عن الغولة قبل ما أنام...و عن المرة اللي الها رجل معزة، و ضلت سنة عم تاخدني عند الشيخ مشان يفك الرصد عن خالتي اللي وقتها عنّست و ما تجوزت .. كانت أمي تقله للشيخ: يا شيخي اختي صار عمرها ١٩ سنة و ما تجوزت..عنّست.. ما في بنت بعيلتنا تجوزت بعد ال١٥ سنة.. دخيلك يا شيخي.. و كنا شبه مداومين عند الشيخ و أنا عم اسمع قصص النسوان و الجان و الحسد و علاج العقم و الحجيبات و جلب الرزق.. و عم شوف الشيخ و هو عم يخرج الجني من الملبوس و هو عم يصرخ.. لحد ما الشيخ انتقل على غير مدينة و بقيت قصصه براسي..
- هاد أبو ابراهيم نفسه اللي كانت أمك تاخدك لعندو ؟
- أي نفسه .. كان وقتها عمره ٤٠ سنة، و هلأ عمره ٦٠ ...
- واخ يا أبو عبدو ... عشرين سنة عم يضحك عليكن ؟ و هلأ شو نصب عليك ؟
- ما معي شي ينصب عليّ .. أنا مفلس .. بس مرتي أم عبدو الله يصلحها رايحة لعندو من وراي و طلبت منه حلّ، و عطاها حجيب قال مشان صير شوفها ملكة جمال .. و ما تطلع عيني لبرى !
و نصب عليها سنارة الدهب اللي ورتانتها من ستّها عيشة ..

- و شلون صدقته للشيخ أم عبدو و عطته ياها!
- هاد لأنه أنا رحت لعنده بالسرّ كالعادة كل يوم المسى و طلبت الرضا و سألته عن الرزق .. و قلي خود هالورقة... فتحت الورقة ولا كلها كلام غزل حبيبتي و ام ولادي و قلبي و روحي......
قلتله: شيخي شو هاد؟ قلي احفظ هالكلام و قوله لمرتك ليل مع نهار من بكرة الصبح لمدة أسبوع و الرزق رح يكفت عليك لأنه في جني بيحب مرتك و هو عم يمنع عنك الرزق ..
اليوم بالليل كون قاسي و جافيها... و بكرة من فيقتك بلش و تغزل فيها...
و قلا لمرتي تحط الحجيب تحت راسي و أنا ما الي خبر... و من تاني يوم الصبح رح أتغير .......
المرة من جدبتها و فرحتها بكلام الغزل و التغيرات الطارئة على علاقتنا.. راحت طاير عقلها و مبسوطة و عطته الأسوارة اللي هي أغلى شي على قلبها و أغلى شي عنا بالبيت كمان...
- و شلون كشفتوا القصة أبو عبدو ؟
- البارحة الصبح فقت عم دور على باكيتي و قلبت المخدّة و  لمحت الحجيب بالصدفة... هو كان موصيها مليون مرة و مخوفها من أنه ينفتح الحجيب و أنه فيها خربان بيوت ..
أنا انزعجت و شقيت الغلاف و فتحته و لاقيت ورقة بقلبه مطوية على شكل مثلب و مكتوب فيها بخط كبير:
"تلحس طيزي أنت و مرتك" و انجقمت !

و ضحكنا ضحك عجيب غريب و فرجانا أبو عبدو الورقة و ضحكنا أكتر.. و هيك خلص أبو عبدو من عقدة الشيخ و رجع للخطة اللي باشرنا فيها و بالفعل تاني يوم أبو علي القصاب طلع لعند الشيخ الصبح و قله أنه أجاه شريك للحفر و رح يدفع ١٥ الف ليرة للشيخ مشان حق البخور و بده خريطة جديدة، قله الشيخ تعال المسى الساعة ٧:٠٠ متل ما توقعنا، و أبو عبدو طلع الساعة ٦:٠٠ عند الشيخ بزيارته الدورية و أخد منه الرضا...

عأساس أبو عبدو يزرع جهاز تنصت من اختراع العظيم "محمد المصلح" بس ما زبط معه و سهرني طول الليل على مقاومة و مكثف و هي الدارة و هديك الدارة .... قمت عصبت الصبح بعد فشل اختراعه ..و قلتله ليش هالعذاب عندي فكرة...

 و عطيت أبو عبدو  جهاز موبايل صغير كان وقتها نوعه "الكاتيل" حطيناه صامت و رد آلي.. و حطه أبو عبدو بقلب الزريعة بغرفة الشغل و بلشنا نسمع على قصص الشيخ....

محمد المصلح كان يحب بنت اسمها منال، هو بيته بالكلاسة بحارة قديمة، و راح لعند الشيخ أول ما أجا عالحارة و قله القصة و الشيخ عطاه سحر مشان تحبه منال، و قله خود هي الورقة و حطها بخزان بيت أهلها و بس شربت منال من ميتها اعتبرها صارت خاتم باصبعتك، و بالفعل محمد ما كذب خبر، و بليلة ما فيها ضو قمر طلع على سطوح بيته و قلب من سطح لسطح مشان يحط الورقة بقلب خزان بيتها لمنال، بس ما عرف اينا خزان الهن، و احتار بأمره شو بدو يعمل !

قام شقف الورقة و حط بكل خزان شقفة و قال بعقله و هو عم يضحك: رح يحبوني كل بنات البناية هيك .. و ندم لأنه ما نسخ الورقة و شلفها بكل خزانات الحارة و رضي بنصيبه.. طبعاً بعد أسبوع بعت أهله لعند أهل منال مشان يطلبوها و رجعت أمه قالتله: لك ابني هي البنت مخطوبة و بعد اسبوع عرسها!

اشتغل الضو الأخضر ركضت لعند الشباب و خبرتهن.... الكل اجتمع عند محمد المصلح نزّل الغلق و تجمعنا حوالي الموبايل و محمد جاب مسجلة كاسيت و كبس زر التسجيل... و أنا اتصلت عالموبايل .. و بلشنا نسمع الشيخ عم يحكي....

يتبع....


اقرأ الأجزاء السابقة :
الجزء الأول :
http://wael3adel.blogspot.com.tr/2017/04/1-12.html

الجزء الثاني :
http://wael3adel.blogspot.com.tr/2017/04/2-13.html








قصص أبو عبدو جارنا - الشيخ أبو ابراهيم لفك السحر يسكن في حارتنا ج2 ...(13)

لم يكن هناك فرق
صورة توضيحية لآيباد ١٩٨٠


كان في تلفزيون قديم شاشته بحجم شاشة الموبايل اليوم بس هاد موبايل تبع الف و تسعمية و خشبة...
صورته ابيض و أسود متصدّر جوا محل ابو علي القصاب و ما حدا بيلمسه غير أبو علي لأنه كله لحمة و زنخة..
و متعودين على صوته اللي بيخن متل واحد بالع لقمة كبيرة و عم يغني..  و نحن و قاعدين قدام محله على الكراسي الواطية..

سألتهن: اي و شو رح تعملوا بس يرجع؟...
ساد الصمت.. و أنا تنقلت بين الوجوه الأربعة.. موسيقى حماسية من التلفزيون صار صوتها عالي و المذيع عم يقول بادر بالانتساب للكلية البحرية... و طلعت على أبو علي اللي رفع راسه لفوق بافتخار و جقم تمه و دفش نضارته الطبية الملزوقة بشرططون طبي "لاصق طبي" أبيض ملون بكل ألوان المحل..
استغربت ! و طلّعت على أبو أحمد الخضرجي كمان نتَر النصية الخضراء تبعيته نترة عصبية و طلع لفوق!
أبو محمد زورني.. و محمد المصلح ابتسم ابتسامة خبيثة !

انقطعت الكهربا فجأة راح صوت الموسيقا العالي و صاح زقزوق الصغير من بعيد : خبيصة خااااااابيصة...
الكل تنحنح و رجع طبيعي و أنا هزيت براسي و قلت الله يثبت علينا العقل و الدين!

أنا: أي و بعد هالفاصل المؤثر شباب ؟ اتفقتوا شو رح تعملوا بس يرجع.... نفختوا معلاقي!
محمد المصلح: عملنا خطة و بدك تشارك معنا ..
أنا: لك أنت بتضل أسبوع عبتقرأ مخطط البورد تبع التلفزيون و ما بتفهم عليه .. عملت خطة و بدك شارك معكن!
أبو علي: لا تجور علينا يا أبو فاروق نحن منضل أهل حارة و لازم تكون معنا بالخطة.. أنت بلكونك مقابيل بلكونة الشيخ.. و دورك مهم ...

بلشنا بالتجهيز للخطة و جهزنا كلشي اتفقنا عليه و أجا الشيخ و احتفلنا فيه و بست ايده و أنا ندمان متل ما اتفقنا.. و دعيت عليها بالكسر و اعتذرت عن الطلعة لعنده عأساس عندي شغل...

أبو علي بعد الاجتماع يوم اتفقنا عالخطة و بعد ما راحوا الشباب ..سألته: شو صاير معك.؟ ليش كل هاد ملؤوم من الشيخ!
قلي: هاد ياسيدي أول ما أجا الشيخ عالحارة و طلعنا لعندو نسلم عليه بمعية أبو عبدو .. سلمت عليه و وشوشني قلي:
أنت أبو علي و متجوز فلانة و عندك منها ٣ بنات و صبي و انت انسرقلك مبلغ من ٦ سنين و تسجل ضد مجهول ..

أنا انشلشت و قلتله: أي!
قلي: أنا بدي عوضك عنهن لأنك انسان كويس ..

و جيت لعنده المسى بالسر متل ما اتفقنا بدون ما حدا يعرف لأنه قلي أنه الحساد كتار.. دخلت عالبيت و فتحتلي مرته و استغربت انها استقبلتني عادي و حاطة مكياج على وجهها و ابتسامة سكرتيرة!
أنا خفت و غضيت البصر قلت عيب هي مرة الشيخ... صحي بتغطّي وجهها بالشارع و مرة سمينة و مرة ضعيفة اكيد من كراماته هي .. يعني ما بيصير .. بعدين ما حسنت قاوم رجعت أخدت نظرة تانية و شكرتها و دخلت و أنا عبطلع على رجليها البيض و المناكير على اصابيعها.. شفت رجلين الشيخ صاروا جنبها بجراباته الفضي ارتعبت و قلت : السلام عليكم ...
قلي و عليكم و دخلني عالغرفة المطلّة عالبلكون ..

جاب المنقل و البخور و بلش حشكروش و منكروش و كلام ما فهمته و طلاسم غريبة لحتى انفتح باب البلكون و انطبق ٣ مرات ... أنا جمعت بعضي عزاوية الكنبة من الخوف و هو قلي بصوت رخيم و بلحن غريب: هي العلامة ... رح نبلش ..
و قلتله أنا و عم ارجف: أمرك شيخي.. شو القصة بس و شو أعمل!
قلي و هو عم يرج راسه و يرجف صوته و يطلع لتحت عالبخور و الجمر تحته و الغرفة عتمة مع وناسة خضرا بس: برررررر....في جرة دهب .. موجودة بمكان قريب المكان معتم و الجرة مرصودة و ملك الجن الأحمر رح يساعدنا على فك الرصد.. الجرة تحت الأرض ب ٤ أمتار و ١٠ سنتم ..
أنت رح تحفر و تجيب الجرة و منتقاسمها بالنص.. ماشي يا ابو علي !
قلتله: م م م م م ماشي...
قلي: هلأ بتمسك هدول البخورات ... بس رفعت راسي لفوق بتشلف الأحمر عالنار ... و بس اشرتلك بإيدي اليمين بتشلف الأصفر.. و بس أشرتلك باليسار بتشلف الأزرق... ماشي يا ابو علي.. برهتييييه كريررررر يا اسيادنا....

و راح و غاب و صار يتشنج .. المشكلة أنه أنا كنت متلبك و مرعوب و خايف و أول مرة بنحط بهيك موقف...

بعد دقيقة و هو عم يبربر و يصيح و الأبواب عم تخلع و الكنبة عم تهتز من تحتي ... رفع راسه لفوق .. أنا كنت مغمض عيوني و قلبي عم يرجف .. صاح صوت عالي و طلعت عليه و تلبكت اكتر شلفت البخور الأزرق ... هز براسه و عصب أكتر و رفع ايدو اليمين شلفت الأحمر.. و عصب أكتر و صاح بكلام ما فهمته و انخبط الباب بقوة و شلفت كلشي بإيدي عالنار من الرعبة ولّا الشيخ تشطح بأربعته كأنه انشلّ و صار يطلع الزبد من تمه !
أنا هربت و رحت عالبيت و ما نمت الليل و كل شوي يخطرلي خاطر ..

سألته : أي و بعدين !
أبو علي: بعدين شفته و اعتذرت و قلي عادي و دلني عمكان الدهب و قلي بدو حق البخور شي ٢٥ الف ..
أنا: بس قلتلي أنك صرفت خمسين الف!
أبو علي: أي جاييك بالسيرة..

هاد يا سيدي قلي أنه في جرة دهب مخباية بمنطقة المغاير و رحت سألت و دقدست و عرفت أنه في قبو قريب ممكن استأجره و استأجرته و دفعت ١٠ الاف ليرة ل ٣ شهور و عأساس بدي أعمله مستودع و بلشت جيب كراتين... و القبو بمنطقة سكنية و صاحبه ختيار و بيته فوق القبو .. ركّبت باب حديد للقبو و كلفني ٥٠٠٠ ليرة مع قفل الجوزة و عدة الحفر و هالقصص .. نزلت بعد كم يوم و معي القزمة و المجرفة و عدة الحفر متل ما وصفلي الشيخ تماماً... بس صاحب البيت حسّ على الصوت .. وقفت الحفر و رجعت أدرس الموضوع... و بالأخير عرفت أنه الحجي بيشرب و بيسكر!!
و بس سكر ما بقى يحس على شي ... و صرت كل يوم جبله مشروب و حطه على باب بيته بكرتونة و اتخبى .. و مشيت الخطة و بلشت احفر و الحق العلامات اللي عطاني ياها الشيخ...
أنا: أوف ! أنت جبتله المشروب!
ابو علي: الضيقة و الفقر و الطمع و الحلم .. بيعملوا منك انسان تاني يا أبو فاروق ما بدي أحكيلك شو بكيت  و استغفرت ربي بعدها ...
أنا: أي شو هي العلامات ؟
أبو علي: علامات كتير أهم وحدة أنه إذا أنا و عم احفر اذا طلعتلي حجرة بشكل قلب أوقف حفر لأنه رح ينرصد الدهب ..

اجاه زبون لأبو علي و دخل يقطعله ربع كيلو لحمة و يفرمها على ايده باعتبار مقطوعة الكهربا.. و ابو علي معلم بالايقاع يعني كنت اكتر شي انبسط بالقعدة عندو لما بدو يعمل لحم بعجين .. ريحة الخضرة المفرومة مع ايقاع ابو علي عالدف بيعمل جو غريب ما بنساه .. كنت عم غني مع ايقاعه : في ناس بترضى بأي حاجة بعزّ ما هيّ محتاجة .. كانت هي الغنية دارجة بوقتها...

رجع ابو علي و معه كاسة شاي -زفرة طبعاً- و تابع القصة:
وين وصلنا؟ ..أيه .. بلشت أحفر و تعبت و انكسر ضهري برابع يوم ما كنت حافر نص متر.. اضطريت احكي مع محمد المصلح و شاركه بالقصة و صار يساعدني و انسلبت عافيتنا من الحفر و بعد تسع ايام و  بنص الحفر و العرق و التراب على وجوهنا صايرين طين و التعب كاسر ضهورنا ... صاح محمد : ابو علي هي الحجرة على شكل قلب شوف! و ضحك
لعمة محمد ما بيعرف بالقصة .. قلتله استراحة شوي هلكت.. و قعدت افكر .. و قلت لا ما بدي اوقف .. و تباعت حفر و بالفعل طلع في مغارة كبيرة ... نزلنا عليها و نحن عم نبكي من الفرحة و ندور هون و هون و ننكش حيطان المغارة و ما نلاقي شي..
من كتر اليأس و الاحباط ما كان الي حيل ارجع عالبيت و نمت بالقبو و أنا عم ابكي لتاني يوم استنيت الحجي حتى راح و رجعنا عبيوتنا أنا و محمد طابين راسنا بالارض ..

أنا: ههههه يعني ما لاقيت الجرة ؟ و الشيخ شو قلك؟
أبو علي: قلي أنه لو موقف حفر وقت لاقيت الحجرة كان رجع فك الرصد عن الجرة و كان ما خلى الجان ينقلوها لمكان تاني..
أنا: أي! و شو علمت ؟
أبو علي: قلي بدو ٢٥ الف تانية .. و أنا قلتله بقي معي تسع الاف ما معي غيرهن ابداً بعت الدهب و صرفت رسمال المحل.
و بلّش يعمل بخّور و رجعنا حفرنا و نفس القصة ... ما في شي..
و يئست و ندبت حظي لأنه ما رديت عالشيخ و ما وقفت حفر وقت لاقيت الحجرة...


الخطّة اللي رح ننفذها بالشيخ نحن الخمسة ..الها خطوات و على مدار أيام ... أنا دوري سهل بس مراقبة البلكون و معرفة مصدر الحركة تبع الباب و الضو ... أصعب دور رح يعمله الخاسر الأكبر أبو علي و رح يكون بالواجهة و قال أنه مو خايف و ما بقى عندو شي يخسره.. و أبو عبدو كان أكتر واحد خايف لأنه لسه عندو أثر قناعة بأنه الشيخ بيلعب مع الجان ... و محمد المصلح اللي بيضحك دايماً متل الأهبل هو اللي حط الخطة بناءً على فلم مصري شافه هو و صغير... و كان لازم نبلش الخطة يوم وصول الشيخ عالحارة بس المشكلة أنه أبو عبدو تراجع باللحظة الأخيرة و خاف و هستر و صار يرجف و أجلنا التنفيذ لتاني يوم .. و بالفعل تاني يوم .....

يتبع ....



اقرأ الجزء الأول من القصة:
http://wael3adel.blogspot.com.tr/2017/04/1-12.html

اقرأ الجزء الثالث من القصة:
http://wael3adel.blogspot.com.tr/2017/04/3-14.html









الخميس، 27 أبريل 2017

قصص أبو عبدو جارنا - الشيخ أبو ابراهيم لفك السحر يسكن في حارتنا ج1 ...(12)

بحارتنا كان في أشخاص تراقبنا بغرض الفضول يعني ما يراقبونا مشان يتفاسدوا علينا، و لكن هيك تعوّدوا خصوصي "أبو علي القصاب و أبو أحمد الخضرجي و أبو محمد بياع السحلب و محمد المصلّح".. هدول كانوا مصدر معلومات، يعني إذا شفت حدا و أنت ماشي بالشارع و سألك عن بيت فلان .. تلقائياً بتقله اسأل واحد من هدول الأربعة .. أو إذا حدا عبيسأل مشان خطبة و جازة و بدو تاريخ العيلة المفصل فعندهن الأرشيف.. و إذا اجتمعوا هدول الأربعة يا لطيف شو بتصير قصص و حكايا...

و كتير من الأحيان بيجتمعوا مشان استكمال معلومات ناقصة عند واحد بيصححها التاني بإثباتات و أدلة، و أحياناً في معلومات بتضل عايشة ضمن نظريات واحد أو تنين منهم و بيبقى الخلاف عليها معلّق و بينتهي الحوار فيها بجملة "متل ما قلتلك أنا"....

و وحدة من أهم هي القصص المعلّقة اللي ما متفقين عليها الشباب الاربعة هي قصة الشيخ أبو ابراهيم.. اللي أجا عالحارة و استأجر بيت "أبو عماد النبلي" و قعد فيه ست شهور و خرب الحارة و طلع...

يوم اللي أجا فيه عالحارة بتذكر كنت أنا رايح عالجامعة و نازل من البيت و شفت منظر غريب كتير... شفت #أبو_عبدو_جارنا يومها عم يبوس إيد الشيخ أبو ابراهيم اللي كرشه كبير و لابس كلابية بيضاء و اله لحية سوداء محنجرة و ماسك بإيدو سواك و حاطط قرعية "أو عرقية" على راسه.. و كانوا شباب الحارة اللي بيشتغلوا بالفاعل كلهم و النجار و صناعيته عم يفضوا الشاحنة و يطالعوله أغراض بيته للشيخ و هو واقف عم يوزع ابتسامات ..

قلت لأبو عبدو أنه ما ارتحت لهالشيخ اللي كل الحارة عم تخدمه و تبوس ايده و قلتله أنه أنا إيد جدّي بالزور ببوسها بدك ياني ابوس ايد زلمة غريب على إيش يا بابا؟
أبو عبدو تلون وجهه ست سبع ألوان و كان شايل كيس مشتريه من عند السمان وقع من ايدو من الصدمة...و انكسر البيض اللي فيه و قلي و هو مفنجر عيونه و ملامحه جمدت و صوته عم يرجف و صار خشن كتير ليش ما بعرف:
- أنت مجنون شي يا ابو فاروق؟ بدك تروّح حالك؟ هاد الشيخ أبو ابراهيم صاحب الكرامات و بيفك السحر و بيقرا للملبوس..

مشينا كل واحد مزعوج من التاني و عم يزاوره و أبو عبدو غضب عليّ، و الشيخ وصله الخبر و صار ينشر أنه أنا كافر بين أهل الحارة و صرت كل ما عدّي من جنب حدا من أهل الحارة حتى اللي ما بعرفهن اسمعه عم يتفتف و يتعاوذ من الشيطان و أنا كنت أضحك بصراحة لحتى أجا هداك اليوم.

كانت المطر عم تكبس و الرعد عم يرعد، و السيول عم تمشي بحارتنا و التكسي اللي عدّت رشقت مي عشر امتار و صوت المي مع صوت واحد عم يصرخ و يشتم الشوفير هو موسيقا الشتاء الاعتيادية... قبل المغرب بساعة الجو كان كئيب و مرعب و ذاكرتي بتقلي انه حزين، كنت عم اركض عالبيت بعد ما نطيت من الباص الاحمر الكبير و وصلت عالحارة و تفاجأت بزحمة ناس تحت بناية الشيخ -التي تقع مقابل بنايتنا تماماً- واقفين تحت المطر و متجمهرين حول سرفيس (نبل-زهراء) و عم يتفرجوا على شي ما عرفت شو هو..

قربت اكتر بداعي الفضول و شفت الشيخ جوا السرفيس و عم يقرأ قرآن بصوت عذب و في بنت تحت ايده حلوة عم تصوي و هو عم يضربها بخرطوم "بربيش" و يصيح :أخرج .. أخرج.. من أنت .. ما اسمك!

أول مرة بشوف قدام عيني هاد المشهد الدرامي المرعب، دارت براسي ست الاف فكرة "أنه في جن و في لبس و بيجوز يكون الموضوع مزبوط و بيجوز تكون حالة نفسية و العلم قال و الدين قال و ال..." لحتى ركضت البنت حفيانة و هربت من السرفيس و اشتغل الصراخ و العياط... و هي عم تركض و وقع حجابها و دار رجال الحارة وجههم و حطوا ايديهم على عيونهم حطة رجل واحد و قالوا: استغفر الله... و لحقوها اهلها و الناس و سادت الفوضى بالحارة ...

رجعت البنت و هي شكلها معها مرض عصبي أو شبه عالبركة... طالعوها على بيت الشيخ.. و مشي السرفيس بالليل و معه الاهل و البنت ...

أم عبدو جارتنا صارت كل يوم ترش ملح على درج البناية و تعمل خط ملح قدام بيتها... و أبو عبدو صار يشيل حجيب و طول النهار يحط على قنوات المشايخ تبع السحر و الشعوذة.. و صارت الاجتماعات الصباحية النسوانية كل يوم تحكي بهالقصص و كل وحدة شو صار معها قصص و هي و صغيرة و شلون انفتح الباب و اشتغل الضو و طفي و شلون سمعت صوت طقطقة و هي القصص الكتيرة و انشغلت الحارة بقصص السحر و الشيخ...

بعد فترة بتفاجأ أبو عبدو جارنا لابس عرقية و طالع لعند الشيخ عالبيت و معه سبعة من رجال الحارة .. ركضت عالبلكون و شفت غرفة الشيخ المطلة عالشارع مشعول فيها ضو أخضر و دقايق و باشر الصوت ... 
الله ... الله ... الله ... حي... مدد .. مدد

قلت بعقلي هاد الشيخ خالط المذاهب و الطرق و الاديان ببعضها، و ما عرفت شو قصة الذكر، و لا فهمت إذا كان هاد الشيخ متصوف و لا متطرف و لا متشيع و لا متسلفن!
كان كل أسبوع في ذكر يوم الاثنين تحديداً الساعة ٧:٠٠ مساءً بيشتغل الضو الأخضر و بتتعطر الحارة بالبخور و بتسمع صوت الرجال عم يذكروا الله ... يمكن كانت الشغلة الوحيدة اللي ما زعجتني من الشيخ .. لحتى بلشت الحارة تتغير ...

صار الربيع .. و شجرة التوت اللي بالحارة بلشت توقع منها التوتات الخضر و تعمل بقع حواليها .. و بتذكر بدخول الربيع أول مرة بيطلب مني بيوم واحد "أبو عبدو و أبو أحمد و أبو علي" دينة لراس الشهر.. و أنا طبعاً ما معي ليرة زيادة.. و سردت الحكاية و الكل صار يطلب و الحارة أعلنت افلاس عام!

أبو أحمد صار يقعد يكش دبان و يبيع خضرة بايتة و صار محله مهجور! و ابو علي القصاب صار يجيب لحمة بالكيلو و الكليين من عند قصاب رفيقه بحارة تانية و يكش دبان أيضاً .. و التكسي اللي مصفوفة بالحارة ما بقى تتحرك صاحبها اللي ما بعرف اسمه ما بقي معه حق بنزين...و صرت أدخل عالحارة و حس أنها حارة مهجورة و انسحب منها الدسم .. و سألت الكل عن القصة ما حدا يعترف و الكل يكابر عاللي صاير معه .. 

الاثنين اللي بعدو كان الجو ربيعي بامتياز .. جهزت بريق الشاي و القعدة عالبلكون مشان استمتع بالذكر و المدائح، صارت سبعة و نصف و ما صار شي .. و اهل الحارة بلشت تعلى أصواتهم تحت .. مديت راسي من البلكون و سمعتهم عم يتعاتبوا:
أبو أحمد: أنت الحق عليك يا ابو عبدو .. انت قلتلي انه شفا بنت خالك و رفيقك بالسكري ..
أبو عبدو: أي انا قلت اللي حكولي ياه .. اذا قلتلك زتّ حالك بالجب بتزتّ؟

و استمر الجدال و الصراخ و أنا انزعجت أنه ما في اليوم سهرة ذكر و ضبيت العدة و دخلت اتفرج عالتلفزيون، و تاني يوم نزلت و أنا ماشي بالحارة ما حدا استعاذ من الشيطان و لا بصق! استغربت الحكاية حتى أبو أحمد الخضرجي رد السلام بصوت عالي و أبو علي قلي تفضل خاي تعا شراب كاسة شاي.. قلتله و الله عندي شغل المسى بشوفك ان شاء الله ...

المسى كانت قفلة الحكاية و اجتمعوا المصادر الأربعة للحارة و قعدنا قدام دكانة أبو علي اللي ريحتها نضافة لأول مرة بالتاريخ .. لأنها ما شافت اللحمة من شهور! 
أبو علي: أهلين بالشباب ... وينه ابو عبدو لكان .. الله يعدمني قامته!
أبو أحمد: دقيقة بيجي بيكون عبياخد اذن خطي من المدام ههههه
و ضحكوا الكل .. انا ما بستغرب لأنه أهل حارتي قلبهم طيب كتير بعرفهن .. شقد ما كانت المشاكل كبيرة تاني يوم بينسوها و بيضحكوا و بترجع العلاقة متل قبل.. لأنه كلهم بيعيشوا يومهم و ما عندهن شي يخسروه و عادي انه إذا مرت عليه أزمة مالية بيرجع بيبلش من الصفر .. أصلاً كل شهر شهرين منبلش من الصفر ...

محمد المصلح: هه و هي ابو المصايب .. أهلين أبو عبدو كنا عم نحكي عليك بالمنيح ههههه
أبو عبدو: صب شاي .. يبلاني بقتلي يا ولاد حارتي شقدني جحش...
صوت جماعي "محشوم أبو عبدو" 
أنا: لك اش في؟ أش عبصير معكن؟
أبو عبدو: أنت كافر خليك على طرف ...
و الكل ضحك و أنا مستغرب ...
أبو علي: هاد يا سيدي .. ابو ابراهيم الشيخ طلع مساعد بأمن الدولة .. و شفط كل مصارينا عأساس يعالجنا من السحر و يفك الرصد .. و طار !
أبو أحمد: طار بالهوى شاشي و انت ما تدراشي ...
الجميع " يا شيخي"
أنا : لك شلون طلع مساعد بأمن الدولة يعني!
أبو عبدو: متل ما عبقلك ... شفته بعيني و سألت و تأكدت .. و هلأ هو محبوس تأديبي ١٥ يوم لأنه كبر كلام مع معلمه بالفرع.. و رجعان بعد ٣ ايام ...
أنا : أي و شو رح تعلموا  بس يرجع؟....


يتبع....










الأربعاء، 19 أبريل 2017

قصص أبو عبدو جارنا - معارك شدّ الشعر في النزوح ...(11)


ب ٢٠١٢ أول ما بلشت المسلحة بحلب و قرب الجيش الحر على بستان القصر أبو عبدو وقع قلبه و قلي أنه رح ينزح لعند بيت أخته على حلب الجديدة كم يوم ريثما تنتهي القصة بالحارة، خصوصي أنه بيتنا قريب من المخفر...

و بعد ما تحرّرت بستان القصر شفت أبو عبدو رجعان عالحارة و عم ينزّل الأغراض من السيارة شناتي سناتي، سلمت عليه و سألته أنه ليش رجعت أبو عبدو؟ لسه القصف شغّال و كل يوم و الوضع أبشع من وقت نزوحك! ما صارلك أسبوع نازح؟

قلي: يا سيدي قصة طويلة..
و حطّ الشناتي على طرف الرصيف و قال للأولاد يطالعوهن عالبيت و شغّل سيجارة على قهر و كمّل:
قررنا ننزح لعند بيت أختي باعتبار هي عايشة مع ابنها لحالهن بحلب الجديدة و بعد ما وصلنا ب٤ ساعات و أهّلوا و سهّلوا فينا و إذ... بيندقّ الباب.. بيفتح ابني عبدو... ولا جاي أخوي و مرته و ولاده كمان... و بعد نص ساعة اجت أختي التانية و معها كناينها التنيتين و أخت كنتها و حماة ابنها!
- أي!
ـ أي أشو أي! ما في حلّ يعني الكل خايف من الرصاص و القصف و اتفقنا نتحمل بعض هالكم يوم اللي بدنا نقضيهن شلون ما كان ريثما يتغير حال حاراتنا ... أخوي ساكن بهنانو و أختي بطريق الباب و بيت حما ابنها بصلاح الدين و الوضع اضرب من بعضه....
- أي منيح و الله.. معناها جاي زيارة و راجع!
- لا و الله ..

و قعد أبو عبدو عالرصيف و نفخ نفخة من سيجارته حسيتها سودة من كتر مو مقهور و قلتله فضفض أبو عبدو أنا متل أخوك..
- من أول ساعتين أختك أم عبدو أخدتني على طرف و قالتلي هدول الشرنّات كناين أختك أش جابهن.؟ ان شاء الله بدي اجلي و اطبخ و أغسللهن؟ أبو عبدو هيك ما اتفقنا هه! هدول مملخات ما بيشتغلوا شغلة و نحن صرنا بالبيت عشرين نفر!
قلتلا : يا ام عبدو يا عمري أنتي عقلك كبير .. نحن مو جايين سيران.. نحن نازحين هربانين من القصف و الموت...

و سكتت أختك أم عبدو و هزت براسها كأنه حكيي ما عجبها و راحت "دون أن تنظر خلفها"، و ما في دقيقتين سمعتلك صوي و صراخ و عويل من المطبخ.. ركضت و شفت أم عبدو علقانة مع وحدة من البنات و بلش العضّ يا معلم.. و لك أنا ما بحسن أقرب و لا أطلع هدول غريبات يعني و انشال حجاب وحدة و أنا درت وجهي و أعيط و اصرخ و أشجب و أستنكر و لا كأنه حدا عم يصرخ لحتى أجت أختي الكبيرة و شمطتهن كل وحدة كف و بعدتهن عن بعض و رتحت أم عبدو على الغرفة و هي عبتبكي...
لحقتها أبهدلها و لا شفتها عم تضرب حالها و تضب غراضها و عم تشكي و تبكي حظها..كل هدول مع بعض بنفس اللحظة.. و لسه ما قلت : ولك أم عبدو أنا مو قلت.....
قاطعتني و عيونها محمرّة و دموعها بطولها و عبست و تولّت و هي عم تكزّ بسنانها كأنها بدها تاكلني:
- قلت و لا ما قلت .. أنا هون ما ببقى و لا ثانية ... أنا وحدة مسفّقة تقول عني "طابة" و التانية تضحك متل النسناس! أبو عبدو أنت على العين و الراس.. أنا رايحة عند بيت أخوي بتحب تجي معي أهلا و سهلا ... ما بتحب أنا مستحيل أضل..

و بعد نقاش طويل و مرير بقينا ليلة و نمنا فيها شلون ما كان و تاني يوم الصبح صالحناهن و اعتذروا منها و طلعنا عند بيت أخوها ابو فوزي...

- أي و أنت شلون علاقتك فيه أخوها؟
- و الله ممتازة ما في غير كل ودّ و احترام ... لحد ما رحنا نزحنا لعندو...
- خير شو صار كمان؟
- نحن دقينا الباب و فتحلنا ولد عمره ٥ سنوات ما منعرفه ... قلتله مرحبا عمو.. قام بزق علي مي كان مجمعها بتمه و هرب! و اجا وراه أخوها و قال هاد ابن ابن حماه بدنا نتحمله لأنه سعدان كتير و ابن حماه متصاوب و قاعد بالفرشة و وضعه صعب.. و دخلنا نحن و ولادنا ال ٤ و شناتينا..و دخل اخوها على غرفته و ٣ ساعات و نحن قاعدين بالصالون و ما حدا اجا استقبلنا أو سلم علينا .. ما في غير هالقرد الصغير يجي يسبنا أو يشلف علينا أكل أو مي أو وسخ و يهرب.. و نحن قاعدين بدون صوت و مسيطرين عالاولاد و ما نسمع غير دقة الباب .. فتح السعدان ولا جاي اخوها ابو فايز و معه مرته و ٣ اولاد .. و بلشت الحفلة ...
- وين ساكن ليش ابو فايز؟
- ساكن بالجميلية .. و ما في شي .. بس مرته غارت من اللي عم ينزحوا و قال هي شو ناقصها كمان بدها تنزح! و تحججت انه خايفين من القصف يقرب عليهن...
- أنه معتبرتها موضة النزوح؟
- شو بعرفني عقل النسوان و جوزها ابو فايز ما بيرفضلها طلب و بيقتنع منها بكلشي بتقوله .. و أول ما دخلت و شافت أم عبدو متصدرة و قاعدة عالديوانة "الصوفا" ... قالت و هي عم تكز .. الله لا كان جاب الغلا.. و أختك أم عبدو قامت وقفت عالديوانة و صاحت.. أش قلتي يوم .؟ هاد بيت اخوي و الصدر الي صح و لا لأ أبو فوزي؟ و أنت مالك لسان ترد عليها أبو فايز و لا قطعتلك راس القط عالسرنوّة الفاجرة؟
 و بلشت معركة اللسانيات بيناتهن و اشتغل الضرب و شد الشعر و السعدان الصغير يضحك و يروح يجيب سطل مي و يرشهن و ارتفعت وتيرة العراك و ضربنا بعض انا و ابو فايز و اجا ابو فوزي يخلصنا و اكل بوكس طايش و قلعنا كلياتنا من بيته و رجعنا عند بيت اختي عيني زرقة و ام عبدو وجهها مشحر...
- حسبي الله و نعم الوكيل.. يعني نمتوا عند بيت اختك هديك الليلة...
- ههه يا ريت... قوم قوم نشرب كاسة شاي عند أبو أحمد الخضرجي و اكملك ...
- أبو أحمد مسكر قال نزح عند بيت أخوه بالحمدانية..
- أي و الله نسيت.. ولاك عبدو قول لامك تعمللنا كاسة شاي روح...
و تابع أبو عبدو سيرة النزوح اللي قضاها خلال أسبوع واحد و أحداث أكشن كل يوم تصير معه و يتقلع من بيت و يروح على بيت تاني ... و أجت الشاي لما وصلنا على آخر بيت  و قال ابو عبدو:
- و نزلنا ببيت رفيقي أبو صابر بالإذاعة باعتبار هو سافر عالضيعة عند أهله و بعتلي المفتاح .. هون ارتاح راسي و قلت خلص هالمرة رح نقعد هون شهر ريثما تخلص المشاكل الخارجية و ما بقي عنا مشاكل داخلية.. دخلنا عالبيت و وزعت ام عبدو الاغراض و استكشفت البيت و الحمام و المي و هالقصص و انا شفت وضع المي و الكهربا و الابواب ... و بعدها قعدنا نرتاح و قلت لام عبدو تعمللنا كاسة شاي نروق شوي.. قالتلي حاضر و راحت عالمطبخ و لسه ما شغلت تحت البريق منسمع صوت ضرب رصاص ماله والي.. تجمعنا بالغرفة مرعوبين و لا نزلت قذيفة عالسطوح و الغبرة عجت عج.. و نزلوا الجيران كلهن لعنا باعتبار البيت أرضي و وحدة من الجارات كانت "رغدة" و قبل ما تسالني مين رغدة... هي كانت خطيبتي قبل ما اخطب ام عبدو... و بلش القواص الداخلي و وصلنا للطلاق انا و ام عبدو .. و هربت من البيت تحت القصف و بين الرصاص و لحقتني ام عبدو و الاولاد و طلعنا بتكسي و قررنا نرجع نموت ببيتنا أحسن ما نموت بمعركة شد شعر و بوكس عديل أو ابن أحما... و طلعنا بالتكسي و جينا...

شربنا أنا و أبو عبدو شفة من كاسة الشاي و لا أجت أول سيارة .. كان ابو أحمد و مرته و ولاده .. أبو أحمد عينه زرقا و حاطط لصقة جرح على جبينه ... و ضحكنا أنا و أبو عبدو و أشرلي بعينه على عيلة أبو محمد و بعدها عيلة خالد و بعدها عيلة أبو علي ... كلهن رجعانين مهركلين و هاد اللي عينه زرقا و هاد المشحّر و هاد المضمّد...

#موطن_الشاهد:
المرة ما عندها أغلى من كرامتها .... لا حرب و لا قصف بيخليها تسكت عن إهانة....


الثلاثاء، 11 أبريل 2017

قصص أبو عبدو جارنا - قلوب مليانة ...(10)

بعام "2000م"كان #أبو_عبدو_جارنا راجع من شغله من (معامل بلليرمون) عالحارة عبستان القصر، و  هو بباص الشغل و الأصوات عالية .. هاد عم يمزح مع هاد، و هاد عم يغني، و حسن الختيار عم يدخّن حمراء عالشباك و ضحكته عالية باخرها بيسعل دائماً، و الشوفير عم يصرخ يا ابو علي وين بدك تنزل عند المفرق و لا عند الجامع، و الشبابيك عم ترجّ بصوت متل ايقاع الطبلة، و فجأة....
الكل سكت..
صمت و سكون... لك حتى الشبابيك خرس صوتها..
بعد ما صاح (زقزوق الصانع) يا شباب مات الرئيس..مات حافظ.. اسمعوا.. و على الراديو..
 كانت المفاجأة صادمة يعني ما حدا بيتخيل انه الرئيس يموت حسب كلام ابو عبدو جارنا!
و الراديو عم يبكي على سيادة الرئيس ... و الشوارع كلها صارت بعين أبو عبدو بالابيض و الاسود و كلشي صامت و لزج و بطيء!
وصل الباص عساحة سعد الله بعد ساعة من خبر موته لحافظ الاسد.. كان في ناس واقفة بالساحة و رافعة أعلام سوداء و في واحد شايل صورة لحدا ما تذكر ابو عبدو وين شايفه.. ابو عبدو قال:
 - بصراحة ما حدا استرجى لا يزعل و لا يفرح.. و لا حدا سأل و لا سؤال.. كل اللي انحكى ريثما وصلنا عبيوتنا كم كلمة: عندك ... الله يعطيك العافية..
نزل ابو عبدو من الباص و عم يتلفت حواليه و يراقب الناس و الناس كلها كانت عم تراقب بعضها شي بيشبه يوم القيامة.. و انه في حدث فوق الطبيعة صار ما منعرف شو رح نعمل و لا شو رح يتغير ... ابو عبدو قلي: نحن اكلنا قتل كتير و ما بدنا نغير العصاية خلي تضل الامور عحالها.. يعني تعودنا عالفلقة ليش نغيّر.. و ابنه متله يعني ما رح يختلف علينا شي..
طبعاً أنا كنت ساكت متل الكل و ما جاوبت ابو عبدو بس ابو عبدو خاف مني لانه ما حكيت رأيي.. و راحت الايام و اجت الثورة و شافني ابو عبدو عم اطلع مظاهرات و أمنلي و حكالي:
 - يومها قلتلا لأم عبدو أنك ما قلت رأيك.. قالتلا لأم أحمد و أم حمد قالتلا سمعت أم سمعو أنه أنت مخبر و أنه حاكي علي.. و حكيت لأبو أحمد و أبو أحمد قله لأبو محمد بياع السحلب و أبو محمد حكى لخالد أنه أنت مخبر و أنه أنت بدك تأذيني و صار الكل يعرف انه انت مخبر الحارة...و الكل صار يحترمك و ما بقى يحكي شي قدامك و وقت أجت الثورة سألت أم عبدو و أم عبدو سالت أم سمعو و قالتلا لا انا ما هيك حكيت أنا قلتلك أنه بيعرف (واحد مخبر و انه اسمه علي) مو انه (هو مخبر و عم يحكي عليه).. و انا طوال السنوات العشرة الماضية خايف و عم احسبلك الف حساب.. كرمال كلمة مرة عدلتها و غيّرت أقوالها!
موطن الشاهد: إذا سمعت شي عن صاحبك اسأله.. لا تحقد و تلتئم من قيل عن قال..

الجمعة، 31 مارس 2017

قصص أبو عبدو جارنا - لن أقطع الغالي +18.... (9)



صورة الشاب الذي قطع عضوه و صرخ أنا امرأة في حلب
وقع قلب #أبو_عبدو_جارنا عندما سمع بقصّة الشاب الحلبي الذي قطع عضوه التناسلي كي لا يُساق إلى صفوف الاحتياط في الجيش، و أبو عبدو عاد ليقيم منذ شهور في مدينة حلب و بدأ يتعلم اللغة الروسيّة بعد أن عمل في محل بقالة في وسط البلد، و صار يميّز العسكري الروسي عن العسكري الشيشاني بسرعة، و لكنه لم يكن ينتظر اليوم الذي يتحول فيه العسكري الروسي من زبون في المحل إلى قائد في القطعة!



عاد إلى البيت سالكاً طريق سوق الهال ثم معبر كراج الحجز الذي كلّما عبر منه يحاول أن لا ينظر إلى سوره المليء بآثار رصاص القناص الذي قتل صديقه الصدوق "أبو لطفي".

وصل إلى الحاجز العسكري الثالث و ارتجف عندما طلب منه العنصر بطاقته الشخصية "للتفييش" .. أخرج أبو عبدو البطاقة الشخصية "الهويّة" و مدّ يده المرتجفة حاملاً البطاقة تجاه العنصر المشغول بالنظر إلى فتاة جميلة مارّة، أمسك العنصر الهوية و هو يعدّل نظارته الشمسية و يبحلق بالفتاة، بينما كان أبو عبدو ينظر للأسفل إلى بنطاله حزيناً مكتئباً خائفاً، أعاد العنصر البطاقة لابو عبدو دون النظر إليها و قال له:
- روح عن طيزنا هلأ وقتك.. يلا انقلع.. و لك شو هالحلو يا حلو؟
تابع العنصر حديثه مع الفتاة و طلب بطاقتها و جوالها للتفتيش.. نظر إلى أبو عبدو المتسمر في مكانه و هو يضع يديه تحت بطنه -كالحركة التي يحمي بها لاعبوا كرة القدم عندما يقفون حائط صد في وجه رمية مباشرة- و صرخ:
- ولا حيوان لسه واقييف؟ انقلع أحسن ما اقطلعك ياه بإيدي مَ تحافظ عليه عأساس عليه ما هيكيا؟
- الله يعطيكن العافية سيدنا ... السلام عليكم..
- حيوان لايا..

مشى أبو عبدو مبتهجاً بعدم خسارته لأغلى ما يملك، و لكنه كان مكتئباً في نفس الوقت، و يقول لنفسه لو أنه دقق على البطاقة و طمأنني بأنني مطلوب أو لست مطلوباً لكنت ارتحت.

أم عبدو لم تكن مقتنعة بموضوع الاحتياط و لكنها قالت لجارتها :
- الرمد أحسن من العمى يا خيت..
و حاولت جاهدةً اقناع أبو عبدو أن لا يفعلها إن كان اسمه في عداد الاحتياط، و بأن الموضوع لا يهمها ابداً، هي فقط لأجله فالحرب لن تستمر، و لكن الحياة مستمرة.

لم يترك أبو عبدو قريباً أو غريباً إلا و سأله عن الاحتياط و طريقة معرفة ذلك و الطرق الممكنة للتخلص من هذا الرعب، و ما هي الجبهات التي من الممكن أن يرمى إليها، و حاول حتى سؤال زبونه الروسي في اليوم التالي .

في اليوم التالي كان أبو عبدو في طريق العودة الى البيت و رأى أبو ابراهيم صديقه القديم -الذي كان يسرق من السوق كل ما يستطيع سرقته و الآن صار مسؤولاً عن حاجزين و مفرق- و كان أبو عبدو غاضباً حانقاً و ألقى السلام عليه و رد أبو ابراهيم السلام بحفاوة  معتقداً أن الكتكوت -كما كان يدعوه- قادم برزقة جديدة و سيشتكي على أحدٍ ما لم يرد له دينته أو ليسأل عن شيء قد سرق منه،  و ساله ابو عبدو سؤاله الدائم عن الاحتياط و الخدمة و مخاوفه، لكن أبو ابراهيم رمقه بنظرة من الاسفل للأعلى و من الاعلى للاسفل و قال له :
- و لك هنت حيوان شي؟ مَ تسأل مشان تتهرب من الاحتياط يعني ؟ و لك هيدا الوطن هيدا أغلى من راسك يا سافيل روح انقلع من وجهي أحسن ما أفرمك كباب و طعميك للعناصر الأبطال اللي مَ تدافع عن حوض الوطن..
- قصدك حياض ابو ابراهيم صح؟
- حوض حياض أبتفرق! و لك متتفسلف عليّ ولا .. متعمل حالك مسقف عطيزي؟ روح انقلع حيوان..

نظر أبو عبدو نظرة خاطفة  إلى أبطال الوطن الذين كانوا يعدّون المصادرات المسروقة من المواطنين على الحاجز و كروشهم المتدفقة خارج حياض أجسادهم البطلة و "شحاطاتهم" المتسخة، ثم غادر المكان متجهاً نحو آخر حاجز، و لكن لم يفتشه الحاجز أبداً هذه المرة.

 و ازداد غضب و حنق أبو عبدو جارنا و جلس على رصيف الحارة كما أخبرني أبو أحمد بائع الخضار و صار يغني:
- ما قدرش على بعد حبيبي... ما قدرش على بعد حبيبي.. أنا ليّ مين إلا ...
و جاءت سيارة شرطة بينما كان يغني و اصطحبته إلى المخفر و هو يصرخ و يبكي.

أنا: ألو .. الو .. اي أبو أحمد و بعدين ؟ راح يعني ؟ سحبوه احتياط؟
أبو أحمد: لك ما منعرف عنه شي .. فص ملح و داب.. و أخو أخته يروح يسأل عنه بالمخفر..
أنا: لعمة و أم عبدو أش وضعها؟
أبو أحمد : أم عبدو قالولي النسوان انها ما وقفت بكي .. من جهة خايفة يعملها أبو عبدو و يقطعه و يقطعها .. و من جهة تانية خايفة ياخدوه لابو عبدو عالجبهة و ما بقى تشوفه بالسنة مرة!
أنا:و العمل ما منقدر نساعده بشي أبو أحمد هاد ابو عبدو جارنا يعني من وين بدي اجيب قصص إذا اختفى؟
أبو أحمد : لك لعمة.. هاد هو .. هي أبو عبدو جاي باتجاهي.. اهلييين ابو عبدو.. خود احكي معه خود..
أبو عبدو بذاته: أهلين أبوفاروق ناكتة انشالله و ما بقى في مشكلة ...
أنا: لك طمني عملتها؟
أبو عبدو بذاته: لا ما في علي احتياط اتطمن ما جاي اسمي .. بس أخدوني عالمخفر مشان أشهد على أنه أبو لطفي جارنا قتلوه الارهابيين عم يعملوله حصر ارث اولاده و عم يزوروا موتته.. و هنيك عرفت انه ما في الي اسم ..
أنا: اي الف الحمدلله عالسلامة ... خيو هات موطن الشاهد من عندك اليوم...
أبو عبدو بذاته: يا سيدي موطن الشاهد: ليش تقعد بين القبور و يجي اسمك و تقطش الفرفور؟!
أنا: ههههه أحلى أبو عبدو ... سلامات خاي...
أبو عبدو بذاته: مع السلامة .... الله يرحمك يا ابو لطفي ... في الله..

الأحد، 26 مارس 2017

قصص أبو عبدو جارنا - أم عبدو تتجسّس على موبايل زوجها ... (8)


لم يكن يدري #أبو_عبدو_جارنا بأن زوجته تعرف كلمة سر هاتفه المحمول و تفتحه خفية كلّما سنحت لها الفرصة، فقد كانت تضبط أعصابها عندما تقرأ شتيمتها بأم عينها في مجموعة "أهل المحبة" أي مجموعة "بيت حماها" و كانت عندما تحكي لأخواتها عن المجموعة تقول لهم "حماتي كتبت بمجموعة أهل المغبة".

الاثنين :١٨-١٠-٢٠١٠
كانت ليلة شتوية باردة، و الفراش لا يمنح أبو عبدو الدفء بقي يحاول النوم أكثر من ساعة دون جدوى، أم عبدو تسللت من جانبه و اتجهت نحو هاتفه و بدأت بالقراءة كالعادة ليلاً، جنّ جنون أبو عبدو و كاد أن ينهض ليضربها و لكنه فكّر للحظات و سعل و تحرّك، فأطفأت  الموبايل على الفور مرعوبة خائفة و وضعته مكانه بلمح البصر و عادت إلى الفراش.

كان يوم أم عبدو متوتّراً و هي تتسائل بينها و بين نفسها:
- عجب عرف؟ يلا المسى بيبين اذا غيّر كلمة السرّ معناتا عرف .. و عندي قتيلة كبيرة.. الله يستر..

عاد أبو عبدو من العمل و كان طبيعياً بتصرفاته و كأنّ شيئاً لم يكن، بدأت الطمأنينة تتسرب إلى قلب أم عبدو :
- و هي اطيب أكلة "طنبورة" عأصولها و متل ما بتحبها ابو عبدو..
- يسلمن يا ام عبدو بس كأنه مكترة قلب اللوبية عحساب السلق؟
- لا عبقلك عأصولها ... شلون بدي أكتر.. صحتين و هي ليمونة..

بعد ساعات حلّ الليل و اتجه كل منهما إلى الفراش و نام الأولاد و بدأ أبو عبدو بالشخير الخفيف و توجهت أم عبدو إلى موبايله بحرص شديد...

في الصباح وجد أبو عبدو زوجته جالسة على زاوية الغرفة و كأنها لم تنم طوال الليل، عيونها محمرة و وجهها أصفر ملتفة ببطانية صغيرة، ابتسم أبو عبدو و تثائب و سألها :
- اشبك أم عبدو خير؟
- ما في شي .. بس بدي أسألك سؤال عبستناك لتفيق .. كنت
- هاتي شو القصة و الله شغلتي بالي!
- هلأ أنا أش ناقصني؟ و أش منقصة عليك ؟ و اش ما بتحب فيني؟
- له له .. و الله انتي ما في متلك انتي ام ولادي ..
- طيب .. ابو عبدو.. طيب

و قبل أن يتجه  #أبو_عبدو_جارنا إلى عمله مرّ إلى دكان أبو أحمد حيث كنّا متواعدين، و كان وجهه مشرقاً مبتسماً:
- طمن أبو عبدو أش صار معك؟
- خيو عملت متل ما قلتلي .. و زبطت الوضع ..
- اي و النتيجة؟
- ههههه النتيجة أم عبدو عبتحكي مع حالها ... قرت المحادثة و فاتت بالحيط لا بتقدر تفتح معي الموضوع لأنها مذنبة و لا بتقدر تطنشه ...
و ذهبَ  #أبو_عبدو_جارنا إلى عمله مشرقاً يقفز فرحاً فقد نجحت الخطة...

القصة أنه ليلة الاثنين عندما رآها تفتش في هاتفه، و قبل ذهابه إلى العمل نزل أبو عبدو من بيته غاضباً مكفهرّاً و حكى لي الرواية و سمعناه أنا و أبو أحمد بائع الخضار و نصحته بأن يتفق مع أهله على محادثة مفبركة.. و بالفعل تمّ ذلك و كانت المحادثة التي قرأتها أم عبدو ليلتها في مجموعة "أهل المغبة":
الحنونة: أي لك ابني هدول الجماعة طالبين مهر غالي.. يعني وافقوا انه الجازة بالسر.. و البيت صغير .. بس بدهن مقدم مليون و مؤخر مليون!
أنا (ابوعبدو): أي امي معلش البنت حلوة و بتستاهل متل القمر و بعدين بيكفي اني رح اخلص من العياط ما شفتيها ما ألطفها..
أختي الكبيرة: مبروك خيو .. مبروك ... و ايمت ان شاء الله العرس مشان احضر حالي بعرسك هداك ما فرحنالك متل العادة لانه ...
أنا(ابوعبدو): أي خلص اختي لا تكملي بعرف اش في عندي بالبيت ... و هي رح اخلص من همها ..
أخي محمد: و ايمت اخوي بدك تقلا لام عبدو؟ خلص قول هلأ .. مشان تتربى مرتي كمان ههههه
أنا(ابوعبدو): لا بكير لبعد ما اتجوز بقلا ...حضرولي حالكن ... بكرة عندي موعد فصل الحق مع ابوها للعروس..
الحنونة: أي امي نحن جاهزين و لا تنسى باقة الورد .. هديك مرتك الاولية جبتلا باقة صغيرة هي جبلا احسن و اكوس هه..

طبعاً خرجت أم عبدو من بيتها بعد مغادرة زوجها و راحت إلى بيت أهلها تروي للنسوة ما قرأت، و بدأت الحسرة و المسبات و الشتائم تنهال على أبو عبدو الخائن و على الرجال "اللي مالهن أمان" و على "أهل المغبة"، ثم بدأ اللوم يتوجّه لأم عبدو.. فقالت واحدة: "أنتي السبب، بقلك بدك تطفشي الزلمة ما بتصدقي" و أخرى قالت: "أي يا أم عبدو انتي الحق عليكي" .... فانفجرت أم عبدو من البكاء و قررت أن تتطلق من أبو عبدو و لم تعد إلى البيت...

جاء أبو عبدو إلى "بيت حماه" و أخبر عمّه بالقصة كاملة، فضحك عمه و قال له : مستاهلة ما بتقصر فيها.. بس حاجتها أنا بحكي معا جوز كلام أنه انت فركشت الجازة و ببعتلك ياها بكرة...

و تغيّرت أم عبدو من حينها بشكل كامل، و صار البيت مكاناً جميلاً بعد أن هدأت النفوس و في ليلة حمراء بعد شهرين من القصة سألت أم عبدو زوجها:
- هيك لك أبو عبدو ؟ بتتركني و بتروح بدك تتجوز غيري؟
- له يا مرة؟! معقول أعملا و أنتي حبيبتي و أم الاولاد ؟ بس أنتي خليتيني اعمل هالمسرحية لأنه عملتي غلط و فتحتي موبايلي...

لم تكن تعرف أم عبدو بأنها مسرحية و لا بأنه عرف بقصة هاتفه، فسحبت يدها من يده بقوة و عبست بوجهه و احمرّ وجهها و نامت خارج الغرفة، و عادت المياه لمجاريها و انتهت المسرحية الرومانسية، و لا زالت تحاول إلى هذه اللحظة أن تعرف الرقم السري الجديد لموبايل أبو عبدو.

موطن الشاهد: الحياة الزوجية مليئة بالأكشن و الرومانسية.

الأربعاء، 22 مارس 2017

قصص أبو عبدو جارنا - سينما الأمير +18 ... (7)

بينما كنت أحدّق في الحنفية النفطية التي تغذي حارتنا و رغوة السائل المازوتي العجيب، لمحت #أبو_عبدو_جارنا معكوساً على فقاعة مازوتية، و استدرت إليه وجدته هارباً مسرعاً مخطوف اللون، فتركت حفلة الزومبي و طابور المازوت و ركضت أسنده و أسأله، فتلفّت من حوله و أمسك يدي ثم أفلتها بقرف!!
- لك أشبك أبو عبدو؟ مالك على الحشيشة؟
- سكوت لو تعرف أش صار فيني..

سينما الأمير في حلب
#أبو_عبدو_جارنا كان في البلد و هو بانتظار موعد عمل تفاجأ بأنه مؤجّل ليوم الغد، فقرر عندما وصل إلى جانب سينما الأمير أن يدخل و يشاهدها للمرة الأولى من الداخل، خطى أبو عبدو الخطوة الأولى داخل المبنى فاقترب شخصٌ و صرخَ في أذنه و هو ينثر لعابه في كل مكان: ٣ أفلام .. ٣ أفلام.

من شباك التذاكر الذي يجلس خلفه شخص سمين مصاب بالنعاس الدائم و يأكل البزر و يبصق القشر حوله، إلى باب الدخول حيث يقف شخص يلبس بدلة رسمية وصفها أبو عبدو لي بأنها لم تغسل و لم تكوى منذ قرن، إلى الصالة التي يجلس فيها اقل من ٢٠ شخصاً، اختار أبو عبدو كرسياً وسط الصالة و كان الفيلم قد بدأ منذ وقت ليس ببعيد و هو فيلم هندي.


جلس أبو عبدو مبهوراً بالشاشة الكبيرة و الصوت العالي و بدأ الممثل الهندي برقصة غريبة و من حوله الراقصات يرقصن بسرعة رهيبة، جلس شابٌ يفصله عن أبو عبدو كرسي واحد، و بدأ الفيلم يتعمق بالرومانسية و البطلة رضخت للبطل و تحت المطر صارت ثيابها شفافة و تبلل شعرها و اقترب منها البطل.
و اقترب الشاب كرسيّاً أخيراً و صار ملاصقاً لأبو عبدو، هتف الجمهور القليل و صفّقوا و صفّروا عندما تبادل البطلين القبل،
و شعر أبو عبدو بشيء يلامس فخذه نظر إلى الأسفل فوجد كفّاً تلامسه بحنيّة و تقترب منه أكثر، نظر إلى وجه الشخص فذهل و تسمّر في مكانه لبرهة و جحظت عيناه و ركض مذعوراً حتى وصل إلى الحارة.

سألته :
- اي و بعدين.؟
- ما بعرف باسها و طلعت من الفلم..
- لك قصدي على قصتك مو على قصة الفلم ! أش صار ليش ارتعبت؟ اضربه كف و خلصت.. او غيّر محلك بيفهم!
- لك أشو كف .. أنت لو تعرف مين كان قاعد..

همس لي أبو عبدو باسم الشاب الذي كان يحاول ملامسته و الاقتراب منه، فجحظت عيناي و دون أن أتكلم بكلمة واحدة و مشيت إلى البيت و نسيت "بيدون المازوت" عند أبو أحمد و أضعت دفتر المازوت، أضعت "مكرمة سيادة الرئيس".

أبو عبدو أخبرني منذ أيام بأن الشابّ نفسه بعد أن غادر من سوريا إلى تركيا، لجأ إلى أوروبا و حصل على جنسية هناك، و بأنه أرسل لأ بو عبدو تحيّة و قلب حب على الفايسبوك فاصابه الرعب مجدّداً و حظره.

موطن الشاهد: لا تنسى المازوت عند البياع لأن مثل هؤلاء الأشخاص ملؤوا أوروبا و أنت لا زلت "مكانك صافن".

الاثنين، 20 مارس 2017

قصص أبو عبدو جارنا - دوريّة مداهمة ...(6)

بعد منتصف الليل بينما كان #أبو_عبدو_جارنا قد افترش بلاط الشرفة هارباً من حر البيت الخانق في صيف ٢٠٠٤، و بينما كان يطرد الحشرات القارصة و يبحث عن النعاس الهارب، سمع أصوات فرامل سيارات كثيرة تقف في الحي و تفتح أبوابها و تغلقها، ما أثار ريبته فقفز ليراقب ما الذي يحدث متوقعاً أن تكون إما حالة وفاة أو عرسٌ صامتٌ "على غير عادة سكان الحارة".

مدّ رأسه كالحرباء من خلال مربع صغير مفتوح بين قضبان الحديد "الدربزون" التي تعتلي قرميد الشرفة، و نظر إلى الشارع المعتم إلاّ من ضوء الشارع الأصفر على زاويتها القبلية فوق حاوية الزبالة منبع الحشرات، و رأى منظراً مرعباً مكوناً من كل ما يدفعك للخوف "كسوري أصيل": سيارات أوبل أوميغا عدد ٢ .. سيارة مرسيدس سوداء عدد ١ .. سيارة شرطة حمراء مداهمة عدد١..سيارات جيب أبيض و أخضر "كانوا جديدات خلنج" للأمن الداخلي.. عناصر مخابرات مسلحين يلبسون جواكيتهم الجلدية السوداء في كل مكان..ليتفاجأ أبو عبدو بعد نظرةٍ شاملة لم تطل مدّة ثانيتين بضوء كشاف "بلجكتور" موجه إلى شرفته و قد حوّل الليل إلى نهار و أحد العناصر صاح به : ادخل لجوا ولاك..

نتوء حديدي غرز في رأس أبو عبدو بينما كان يسحب رأسه من بين القضبان، و خلّف جرحاً قال عنه الطبيب في اليوم التالي: كاد أن يصل الجرح إلى الدماغ و قد حفر خندقاً في الجمجمة..... ثمّ ضربه أبرة كزاز.

شعر أبو عبدو بلمعة في رأسه بعد انسلاله السريع من الشباك الحديدي، و وضع يده على جرحه و تحسس الدم و ضمّده على عجل بسروالٍ داخلي كان ملقى على حافة سلة الغسيل الزهرية إلى جانبه، ثم اقترب و هو يتأوّه من حائط الشرفة ليسترق السمع.. بينما أنا كنت عائداً من سهرة "تركس" من بيت ابن عمي "سامر" في الزبدية و وصلت إلى إشارات بستان القصر التي تبعد حوالي خمسة شوارع عن بيتي و وجدت ازدحاماً غير طبيعي في المكان، و دون أن أسأل سمعت القصة من مجموعة شباب تلتها مجموعة من المسنّين الذين وجدوا من الأكشن ما يسلّي سهرة الشارع الاستثنائية.. حتى أن بعضهم كان يأكل البزر و الفستق.. فهمت بأن هناك عصابة محاصرة في الشارع الذي أقطن فيه، أشعلت سيجارة و وقفت أفكّر...

في هذه الأثناء أبو عبدو كان يبكي و هو يظن بأن الحملة تستهدفه و صار يبحث في ثنايا ذاكرته عن "التخبيصات" التي عملها في حياته و كان يحدث نفسه و هو يرتجف:
- معقول لأنه ما قطعت بيليت الباص هديك المرة ؟ عجب لأنه قلت انه لازم ينقلولنا الحاوية من الحارة ؟ لا لا ما معقول ابو احمد يفسفس عليّ.. و الله بيعملها ! هاد اكيد وقت حكينا عن المنتخب و قلتله كل اللعيبة واسطات .. لا هو كمان حكى يعني رجلينا بالفلقة سوا! معناتا وقت نزلت عالشارع وقت المسيرة و مشيت معهن غصب عني كان مبين على ملامحي انه انا مستعجل.. و لي على قامتك يا أبو عبدو... راحت عليك..

توقّفت لأكثر من خمسة دقائق قرب الإشارات بين التجمعات و استمعت إلى الكثير من القصص و لم استطع الاقتراب لأن عناصر الشرطة و المداهمة كانوا يمنعون الناس من الاقتراب من الطوق الأمني المفروض على الحارة، و بالصدفة رأيت "يحيى" صديقي الشرطي، و أخرجت من علبة السجائر واحدة و ألقيت السلام عليه :
- خدلك سيجارة بعرف الوضع سلطة و أنت متوتر.. اهلين أبو اليح..
أخذ السيجارة و بدأ برواية القصة لي دون أن أسأله.. و أخبرني عن كذبة العصابة و لماذا كل هذه الحملة الكبيرة.. و بأنها مستمرة للصباح و نصحني أن أنام خارجاً فلن يسمحوا لأحد بالاقتراب:
- هيك التعليمات يا أبو شريك..

دخل #أبو_عبدو_جارنا إلى البيت و توجه للمطبخ و حمل سكيناً و وضعه على رقبته و هو يبكي و يرتجف، إلى أن انتبهت أم عبدو و دخلت دخلتها الأكشن و هي تركض إليه و تقول: لاااااااااا
السكين تقترب من رقبة أبو عبدو....
أم عبدو تخطو الخطوة الثانية: لااااا
السكين تصل إلى قبته المتسخة بالدم..
أم عبدو تقترب كثيراً: لاااااااااااا
تلامس السكين رقبة أبو عبدو..
أم عبدو تمسك يده بقوّة و هو يستسلم بسهولة و تقول هامسة غاضبة:
- إلا هي السكينة .. إلا هي .. هي ذكرى من أمي بجهيزي.. بكرة بيعتبروها أداة جريمة و بياخدوها..
ترك أبو عبدو السكين و جلس القرفصاء و وضع يديه على وجهه و بدأ يبكي و يشهق دون صوت..

وصلتُ لبيت صديقي أحمد قرب مدرسة "اليرموك المحدثة" و طرقت الباب و بعد أن جلسنا قرب شخير أخيه "أبو الشوق" و
 بدأ حديث الهامس أيضا إذ نام كل أهله:
- بعدين قلي "يحيى الشرطي" أنه في واحد بحارتنا سابب شب صغير بالسوق.. و هاد الشب طلع ابن المحافظ و علق من طيزو الشب ..
- لعمة و ليش ما استدعوه عالمخفر؟ ليش كل هاللوصة و مطوقين الحارة و ما بعرف ايش؟
- يمكن بدو يعمل نمرة رئيس المداهمة.. و مشان يبيض وجه قدام المحافظ بتعرف انت...

خرَجَ أبو عبدو من زاويته و دماؤه قد تجمّدت على يديه و على رأسه، و رائحة الدم تضرب في أنفه، و بدأ يخطو خطوات بطيئة إلى الشرفة بعد أن حلفت له أم عبدو كل الأيمانات ذات العيار الثقيل بأن الشرطة و الأمن قد غادروا و لم يكن هو المطلوب..ثم وضعت له ملعقتين من البن لإيقاف النزيف في رأسه.. و اطمأن أبو عبدو بعد نظرة خاطفة للشارع بأنهم ذهبوا..

وصلت أنا إلى الحي و رأيت أبو عبدو أمام باب المبنى و على رأسه "منشفة" صغيرة فوق جرحه الذي تفوح منه رائحة البن ...و ألقيت عليه السلام و روى لي قصته و رويت قصتي و جاء الاستاذ هشام ملقياً السلام أيضاً و قال:
- شوف شو كان في بالحارة البارحة و نحن ما عم نعرف..
و أعطاني نسخة من جريدة البعث و قرأت العنوان:
"القبض على أخطر عصابة في مدينة حلب، متهمة بالقتل و السرقة و النهب و تجارة المخدرات و الأعضاء البشرية"

قلت في نفسي لو كان هناك مساحة أكبر في الجريدة لكانت تضاعفت التهم الكثيرة، فخالد الذي قبضوا عليه طالب جامعيّ، شاب مثقف و خلوق يعرفه كل أبناء الحيّ، مشكلته أنه لم يسكت على إهانة ابن المحافظ له و كما قال أهل الحارة "راح فيها" ...

خالد: بقي في السجن المركزي حتى فك النظام الحصار عنه... و أفرج عن جميع الشبيحة، و نُقل حينها خالد إلى السجن الجديد و لا زال محبوساً منذ ١٣ عاماً.. و يقولون بأنه أنهى حفظ و إعراب القرآن و حاز على ماجستير في اللغة العربية..
أبو عبدو جارنا: عاد إلى عمله و حفظ لسانه من بعدها و عندما قامت الثورة كان جرح رأسه و سكين حماته يدفعانه للابتعاد و التزام عبارة : الله يطفيا بنوره..
أنا: أدعو لخالد بأن يخرج من سجنه و لأبو عبدو أن يخرج من سجنه أيضاً..

موطن الشاهد: لا تقترب من سكينة حماتك.. ترتاح

الجمعة، 17 مارس 2017

قصص أبو عبدو جارنا - جريمة في البستان ...(5)


للشارع الذي كنا نقطن فيه قرب "جامع القصر" مميزات كثيرة، منها وجود سوق الفستق و وجود مسبح "النمري" الذي تعلّم كل أطفال الحارة السباحة فيه، بيني و بينكم المسبح كان بركة "لغسيل الأبقار" لكنه تحوّل لمسبح بأجور منخفضة لتاريخه المعروف و لمساحته الصغيرة و تطرّفه قرب البستان و زبائنه الخاصين من أطفال الحارة الأشقياء.

أما البستان المجاور للمسبح فقد كان يفصل بين بستان القصر و سوق الهال، و يتخلله طريق ترابي مختصر عن الطريق العام الذي يوفّر علينا اكثر من ٢ كم من المشي، و قررنا أنا و #أبو_عبدو_جارنا أن نسلكه في رحلة إلى سوق باب جنين حيث كنا نذهب إلى هناك بشكل دوري كي نشتري احتياجات البيت من الخضار و الفواكه و المونة، أي "نعمل شوبينغ"، إلى أن حصلت الجريمة و التي شهدناها أنا و أبو عبدو و قررنا عدم الاقتراب مرة أخرى من هذا الطريق المشؤوم.

في السادسة و النصف صباحاً نزلت مع #أبو_عبدو_جارنا إلى الحارة و اشترينا "كاستين سحلب" من عند أبو محمد بائع السحلب و بدأنا المشي قاطعين سوق الفستق نحو اليسار ثم إلى الطريق الترابي بين البساتين.

الطريق الترابي كان في أجزاء طويلة منه يحده من الطرفين عيدان طويلة من القصب و الذرة المزروعة فيه، و لا يسمح لنا بكشف ما خلفه داخل البساتين، و كانت نسمات الصيف المنعشة في الصباح تداعب هذه العيدان و اوراقها و تتمايل و تصدر صوت حفيف مميز لا يخرج من الذاكرة بسهولة، لكن بينما كنا في الطريق تخلل صوت الحفيف أصوات أخرى لم نستطع تمييزها، و بدأنا نتمهل في المشي ثم وقفنا سوية دون اتفاق فالأصوات كانت مريبة نسمعها للمرة الأولى، كنت اسمع شهيق ابو عبدو و زفيره و أنفاسي ايضاً و كأنهما أعلى من كل الأصوات من حولنا، و بدأنا بالتهامس:
- أش هالصوت لك أبو فاروق؟
- و الله ما بعرف يا ابو عبدو بس كأنه في حدا عم ينخبط و في صوت حدا عم يتأوه!
- طيب خلينا نمشي بيكون واحد و وحدة عشقانين!
- لا خلينا نتأكد قبل.. لا يكون حدا بدو مساعدة..

الحقيقة تسمرّنا في مكاننا و صرنا نرتجف و لم تبقى أي قصة أو صورة مخيفة إلا و زارت مخيلتي الواسعة، إلى أن سمعنا صوت خطوات قادمة باتجاهنا من خلف المزروعات و تصبب العرق من وجهينا و دقات قلبينا صارت كصوت الطبول، و لدى ثالث خطوة و لا إرادياً قررنا المشي و الهروب و أبو عبدو لشدة خوفه راح باتجاه البيت عائداً بينما اخترت ان امشي باتجاه السوق و افترقنا فجأة و دون سابق انذار دون تردد مسرعين هاربين و نادمٌ كل واحد منا لماذا لم ينتبه الى صاحبه الذي افترق عنه، الخطوات التالية و أنا وحيد كانت أكثر خوفاً و رعباً و كنت أحاول تهدئة نفسي بأن الوهم هو السبب و أن الأمر طبيعي و لن يحدث شيء و فكرة المسدس الذي سيوجهه الخارج من بين العيدان هي من ضرب الخيال، حتى صاح الخارج لي و لابو عبدو:
- وقف ولاك..

تفتحت عيناي بشدة و توقفت دون أن أنظر للخلف لعله لم يرني، و لكنه أكّد : هي أنت ابو الجينز..
نظرت للخلف و إذا به شخص يحمل منجلاً و يلبس "كلابية" لونها ترابي و يضع لثاماً "حطته الحمراء".

اقتربت منه كما فعل أبو عبدو و صرت على يساره و أبو عبدو على يمينه و بصوتٍ مرتجف و أنا أبلع ريقي:
- خير أخوي لازمك شي؟
- أنت من بيت مين ؟ و اش عبتعمل هون؟
- ليش هالأسئلة ؟ هاد طريق كل يوم منجي منه بيتي هون بالحارة و رايح على باب جنين...
- تفضلوا معي عند المعلم ...
- لا الله يديمك مستعجلين و الله ... دي روح أبو عبدو..
- أيوا .. مع بعض يعني.. و كل واحد رايح من طرف ... أي تعا معي أحسن ما تشوف شي ما بيعجبك..

سحبني من خاصرتي و أبو عبدو أيضاً و دخلنا إلى البستان خلف العيدان الطويلة، المنطقة التي لا نعرفها و التي لم نرها مسبقاً، و مشينا فوق الطين و الأتربة و بين المزروعات، بينما كنت أخطط للهروب و أقارن بين نسبة خروجي سالماً و عدم خوفي لاحقاً منهم إذا أكملت معه، و بين هروبي و بقائي خائفاً من تهديدهم لي إن لم يستطع أبو عبدو الهرب و اعترف على مكان بيتي.

وصلنا إلى كوخ قرميدي بابه من الخشب القديم داخل المزرعة، توقفنا هناك و صاح الرجل الملثم: سامي .. يا سامي
حتى خرج من الباب شخص اشقر الشعر يلبس بدلة رسمية جميلة  و أنيق الهيئة، كان اختلافه عن المكان فاقعاً لدرجة أنني "فركت عينيّ" و نظرت إليه بتمعّن أكثر من مرة، و هنا قلت بأن العملية أمنيّة و لا بدّ أن هذا ضابط ما يحاول أن ينفذ عملية مخابراتية في البستان للقبض على أحد المجرمين.

غير أنه كان هو المجرم، و الجثة كانت إلى جانبنا مرمية و مغطاة بأحد الأغطية، تحاورنا مع سامي طويلاً ثم تركنا نذهب، اختصاراً للتفاصيل كان الأول هو الأخ الأزعر "ابو علي" الذي يقتل و لا يهتم بالقانون على الإطلاق و لا يخاف لومة لائم، بينما الثاني "سامي" هو المجرم الذي لا يلوّث يديه بالدماء و يحاول أن يجد حججاً قانونية لأي مخالفة أو جريمة يرتكبها، و عرفنا لاحقاً بعد أن استطعنا الخروج و العودة إلى بيوتنا، بأن "سامي" قتل طفلة اسمها "جنى" و تضايق من الموضوع كثيراً، و كان "أبو علي" يسأله كيف قتلت هذه الطفلة أريد تفسيراً لذلك.. يا أبو القانون يا من لا تقتل أحداً، أريد توضيحاً الآن، أعطني توضيحاً.

عدت مع ابو عبدو إلى الحارة، و كما أمرنا مهدّداً "أبو علي" المخيف لم نخبر أحداً بهذه القصة بل حتى لم نتناقش بها أبداً لشدّة الخوف، فهو أكّد لنا بأنه لا يهتم بمعرفة الناس بإجرامه و قتله، فهكذا يخافون منه أكثر و بأنَّ قتلنا عنده أهون من شربة ماء.
و لا زال يعمل أبو علي و أخوه سامي إلى اليوم و يقتلان الناس، أحدهما متخفياً بهيئة انسان و الآخر يقتل دون اهتمام لا بالانسانية و لا بالقوانين و أنا و أبو عبدو ندمنا لأننا لم نحذر الناس منهما جراء خوفنا الزائد.

ما ذكّرني بالقصة رسالة من  #أبو_عبدو_جارنا أرسلها لي اليوم على الواتس أب قائلاً إقرأ هالخبر ما بيذكرك بأبو علي و سامي !

توضيح:  أَبْلَغَ اليوم الناطق باسم وزارة الدفاع الروسية اللواء إيغور كوناشينكوف إن موسكو تنتظر من وزارة الدفاع الأميركية "البنتاجون" مزيدا من التوضيحات بشأن مقتل عشرات المدنيين في الغارة الجوية على قرية الجينة السورية.

موطن الشاهد: إذا لم تستطع أن تقتل المجرم، فعلى الأقل قل بأنه مجرم و لا تسكت.




الأربعاء، 15 مارس 2017

٢٧ محاولة فاشلة ... رحلتي للدخول الى تركيا ... (1) اسباب قرار اللجوء


 لم يكن لدي أي رغبة للاستقرار في تركيا على الإطلاق، حتى أنني في زيارتي الأخيرة عام 2015 إلى تركيا لرؤية والدتي، ذهبتُ للأمنيات و استصدروا لي هوية تركية "الكملك" و في اليوم التالي مباشرة استخدمتها للدخول الى سوريا و سلمتها في المعبر و وقّعت على ورقة بعدم حاجتي للحماية المؤقتة من تركيا و بأنني أريد العودة لسوريا بإرادتي.

مغادرة بستان القصر في 2015:
اول اجتماع لمجلس الثوار في مقره الجديد و بصيغته الجديدة
-  كنت قد اخترت الخروج من بستان القصر- التي لم أغادرها منذ ولدت فيها عام ١٩٨٣- و غادرتها في نهاية ٢٠١٥ مع زوجتي و بناتي "بيسان ٣ سنوات، و شام ٢ سنة" و السكن في منطقة "شارع بغداد" جنوب حريتان في ريف حلب الشمالي بالقرب من عائلة زوجتي، خاصة بعد مغادرة والدتي و عائلة أخي إلى تركيا، إلا أنني كنت في رحلة يومية مع الموت عبر طريق الكاستيلو ذهاباً و إياباً إلى حيي الذي اختارني ثواره رئيساً لمجلس الثوار فيه مدة ثمانية أشهر.



الوضع الأمني في شارع بغداد-حريتان:
- في شارع بغداد لم يكن الوضع أفضل حالاً لا الأمني و لا الخدمي و لا الاجتماعي، فحالات الخطف و التصفية عاينتها أكثر من أربعة مرات، إحداها اختطاف شخص أمام عيني ببيكاب لا نمرة له، و الأخرى جثة شخص آخر تم اغتياله و وضعه في بداية شارع بغداد، كما عاينت "اعدام طفل بتهمة ممارسة فعل لوط" من قبل دار القضاء التابع لجبهة النصرة و المهاجرين و الأنصار و جلد آخر في ساحة كفر حمرة لأنه كفر.
رصدي لحواجز حلب على الواتس اب

- للكاستيلو حكاية أخرى، كنت قد عملت عن الكاستيلو و المناطق المحيطة به أكثر من تقرير اخباري عندما كنت مراسلاً لقناة الغد العربي:
https://www.youtube.com/watch?v=UFpDqI66OBE

القصف اليومي لهذا الطريق و المحاولات المتكررة للسيطرة عليه من قبل النظام المجرم منذ سنين جعله طريقاً للموت و للعبور إلى الجنة و ليس للعبور من و إلى المدينة.

إلا أن لجبهة النصرة رأيٌ آخر في الطريق حيث ساعدت بزيادة المصاعب و الخطورة على الطريق و وضعت حاجزاً من الملثمين على الطريق الترابي الوحيد الواصل بين المدينة و الريف، و الحاجز كان يعتقل و يختطف الناشطين و الثوار و الجيش الحر منه، لدرجة انني كنت أقوم بعمل رصد يومي للحواجز و نشره على مجموعات الناشطين و الثوار بسبب تنقلي الدائم بين الريف و المدينة، و كان الوضع مخيفاً و لم يكن قد مضى على اختطافهم لـ"أبو ماجد كرمان  زمناً طويلاً و الذي لا نعرف عنه شيئاً حتى اللحظة و هو رئيس مجلس حي الإذاعة و والد الشهيد "ماجد كرمان"، و لا لخطفهم "ريان ريان" أيضاً و هو عضو مجلس ثوار بستان القصر و أفرجوا عنه بعد ضغط ثوري و عسكري و كان يحمل على جسده علامات الضرب و التنكيل من قبل أمنييهم الملثمين.

مكان حاجز النصرة على الكاستيلو



فكنت أبتدع الحيل للوصول إلى حارتي في المدينة و العودة إلى بيتي في شارع بغداد، فمرّة أعبر مع سيارة عسكرية و أخرى أحمل هوية مختلفة و ورقة امنية و أغير مظهري الخارجي، و أحياناً أنتظر انصرافهم و أغادر المدينة ليلاً على الرغم من وجود الطائرات التي تستهدف أي شيء متحرك و كنا لا نستطيع أنا و أبو أحمد - المصور و رفيق مغامراتي الدائم- أن نشعل ضوء قداحة أثناء العبور من الطريق الوعر و المليء بالحفر الناتجة عن القصف، و في إحدى المرات تعطلت معي السيارة في منتصف الطريق، و مرة لم نستطع العبور بسبب العتمة و وجود اربعة طائرات في الجو فاستغرقت رحلتنا ١١ ساعة بدلاً من ٤٠ دقيقة.

هي تفاصيل يومية لم تكن تهمني و ربما كنت قد وصلت الى درجة من التصالح مع الموت إلى أعلى درجة، و لكنني كنت اخاف الغدر و الخطف و النيران الصديقة.





أسباب اليأس و الرحيل:
تقريري عن دحر داعش من حلب في اليوم الثاني من المعارك
في ٢٠١٥ اقتربت حلب كثيراً من الحصار، فما كان مني إلا الرجوع إليها أنا و عائلتي لمشاركة الحصار مع أصدقائي و أبناء مدينتي،  و بقيت ١٥ يوماً لكن شبح الحصار ابتعد أخيراً فعدت إلى بيتي في شارع بغداد.
إلا أن هذه الروح المثابرة و النضالية كما توصف من البعض غادرتني و لم تعد إلي لأسباب كثيرة منها حواجز النصرة و اختطافنا بدون سبب، و كان تنظيم داعش هو من سنّ هذه السنّة و قتل من أصدقائي المقربين أكثر من ثمانية، شاهدتهم مقتولين برصاصة في الرأس و وثقت موتهم و أنا أبكي في الشهر الأول من 2014 في مجزرة مشفى العيون.
و كنت قد تلقيت تهديداً مباشراً منهم إلا أنني استطعت الاختباء منهم بحماية صديقي الصدوق و القائد العسكري الثوري "أبو عبدو شيخ العشرة" الذي كان واضحاً منذ البداية في موقفه معهم و موقفه تجاه الثورة و تجاه الثوار و الناشطين و لم يكن أحد أسباب يأسي على الإطلاق.
غير أن التدخّل الروسي قلب المعادلة، ما لم أكن أصدقه هو دخولهم بشكل فعلي إلى المعارك، و اليوم الأول للخبر لم يكن صادماً بالنسبة لي بل كنت أكذّبه في أي محفل كنت أتواجد فيه، و بدأت المعادلة بالانقلاب، و القصف الروسي لم يكن طبيعياً على الاطلاق سواء في المعارك أو فوق رؤوسنا و رؤوس سكان المناطق المحررة، و كان واضحاً التفوق الرهيب في العتاد و التكنولوجيا المتطورة، و بدا اليأس يتسلل إلى داخلي، و كنت أشاهد معارك غير متكافأة على الإطلاق أهمها كان معارك الريف الجنوبي لحلب و التي عاينتها و عاينت القصف فيها بأم عيني، لقد كانت روسيا سخيّة جداً بالموت و صناعته بكل الأشكال التي أعرف و لا أعرف، و كانت ليلتي في ريف حلب الجنوبي بعنوان "الموت القريب".
تلك الليل جعلتني انتظر التحول من الدول التي تقول بأنها صديقة لنا، دون ردّ...
لقد كان واضحاً التخلي عن المعارضة و انقلاب الجميع على الثورة و الاصطفاف إلى جانب خيار تراجع الثورة و سواء لرغبتهم أو لخوفهم من روسيا لا أعرف، إلا أن هذا الموقف الواضح بالنسبة لي جعلني أضيف جميع المخاوف و الأسباب الدافعة لليأس من الكتائب العسكرية التي كانت لا تعيرنا اهتماماً بل و لا تحمينا و لا تدافع عن الثورة و مستحقاتها، لقراري في المغادرة إلى تركيا، التي لم أكن أفكرّ فيها على الإطلاق سابقاً، حتى عندما قصف بيتي و حملت طفلتي من تحت الشبابيك التي سقطت فوق رؤوسهن بكل الغبار الذي ملأ وجوههن الغضة و بكائهما الهستيري الذي لا أنساه، و ذلك الفجر الأغبر لم يغادر ابنتي شام "٣سنوات" فهي إلى اليوم تخاف الأصوات المرتفعة و تخاف صوت الأذان إن كان قريباً أو مرتفعاً، خوفاً شديداً باكياً.

في نهاية شهر شباط 2015 نزوح إلى دركوش في ريف ادلب:
امتلأت حريتان و شارع بغداد بالدماء، و تحولا إلى حالة هيسترية من الحجارة المتناثرة و الأشلاء المتقطعة و الصراخ و البكاء و الخوف و النزوح، فقررنا أن نحافظ على حياة عائلاتنا و غادرنا إلى دركوش المدينة الهادئة الوديعة المتربعة على ضفتي نهر العاصي، و بدات رحلة البحث عن طريقة للتهريب إلى تركيا و إيجاد بيت للسكن في دركوش.

و سأتكلم في التدوينة القادمة عن أول محاولة تهريب فاشلة إلى تركيا.





وائل عادل ١٥-٣-٢٠١٥
عنتاب

الثلاثاء، 14 مارس 2017

قصص أبو عبدو جارنا - مباراة مع القرداحة ...(٤)

#أبو_عبدو_جارنا راح مرة على مباراة بين الاتحاد و القرداحة، هو بالعادة ما بيحبّ المبارايات بس رفيقه أبو أحمدالخضرجي اللي صارعله راسه بالمباريات ليل مع نهار ضغط عليه و أقنعه و حتى قله عحسابي أنت روح و ما رح تندم..
أبو عبدو طلع بسوزوكي كانت طالعة من قدام جامع القصر لمشجّعي نادي الاتحاد بالحارة و انحشر هو و ابو أحمد معهن، الشباب كلهم لابسين أحمر و شايلين اعلام حمر، و معهم بزر و مي و في واحد من بيت بصّال متل ما قلي أبو عبدو وقتها كان عم يخبي "قزّ الليلة" * بكلسونه، و كانوا الكل عم يضحكوا و يمزحوا و ينقّروا على بعض، هاد بطوط و هداك طنجور و هيك..
و في زاوية تحليلية بطرف السوزوكي كانوا 3 شباب عم يحللوا وضع الفريق الاقتصادي و البدني و التكتيكي و وضع المدرب و علاقته باللعيبة، و هيك انطلقت السوزوكي الهفتانة و هي عم تجعر بالهوا بصوت حدّ، و الدربكّة شغالة و الشباب عم يهتفوا (الاتحاد الاتحاد الاتحاد... الاتحاد يا أهلي.. الاتحاد يا أهلي)**
وصلوا عملعب الحمدانية الأثري***و كان زحمة كتير و نزلوا اشتروا بطاقات من عالباب و صفّوا عالدور، هلأ أوّل شغلة زعجته لأبو عبدو هنن السعادين اللي عم يحاولوا يدخلوا ببلاش، تاني شغلة هو مصادرة العسكري لقداحته، و تفتيشه بشكل مذلّ متل ما صرّحلي..
بلّشت اللعبة و صفر الحكم و مع أوّل دقيقتين بلش الجمهور يسبّ الحكم! كانت المفاجأة الصاعقة لأبو عبدو أنه مبينة الحق على لعيبة (القرداحة) ليش عم يسبّوه للحكم؟! و تصيح المدرّجات:
 - الحكم عرصا ..دج دج دج.. الحكم عرصا..دج دج دج
قله ابو أحمد لجاري أنه :
 - هي أول مرة جمهور الاتحاد ما بيسب الفريق الخصم و لا جمهوره.. لذلك الكل متوجه عالحكم و عيلته الكريمة..
بعد الثورة فهم أبو عبدو ليش ما سبّوهم لفريق #القرداحة.. و قلي بكل صراحة:
 - انا كل ما بتذكر المباراة بتذكر نصّ الناس اللي رايحة لا بتفهم بالرياضة و لا بتحب الطابة.. جايين يفرغوا شحناتهم و يطلعوا..حتى انا يا أبو فاروق صرت اروح كل جمعة و بالزحمة باللعبة اسب و اشتم اللي بدي ياه.. من معلمي بالشغل للمحافظ للحكومة و ما حدا يحس على حدا .. كانت مباراة مسبات نحن عنا رياضة من كل عقلك؟!
موطن الشاهد: فراس الخطيب أنت رجعت على حلبة المسبات و الشتائم تحمّل إذا بتتحمل.. و كما يقول الفنان الكبير ابو عبدو:
#لطيزي_ترجع_ما_ترجع

قصص أبو عبدو جارنا - قصة الدرويش... (٣)

مرة كان #أبو_عبدو_جارنا عالبلكون عم يشرب سيكارة الصباح... باعتبار أم عبدو كانت ولدانة جديد و ما عم تخليه يدخن بالبيت ... المهم شرب شفة من القهوة و حطها على حرف البلكون و زح الشادر"البرداية" ورا ضهره و عم يتفرج على هالسيارات و الناس جاي و رايحة على سوق الفستق اللي بحارتنا....
سمع اصوات عالية و وجّه راداراته بسرعة نحو الصوت و شاف تجمع ناس و واحد معصب و عم يعمل عنتريات و يبعد الناس و من كتر مو معصب كان ينبحّ صوته و هو عم يصرّخ...
أبو عبدو ما فهم السيرة و لكن بقي عم يتابع، و الناس مع المعصّب تروح يمين متل موج البحر و ترجع شمااال ... من هالرصيف لهالرصيف... و صار شوية ضرب و بعدها انفضّت كالعادة انه المعصّب صاح : خليك هون اذا زلمة ... و غادر المجموعة ... يعني سوق الفستق ..
و رجع شرب ابو عبدو شفة قهوة و رجعت العصافير تزقزق بالحارة و دخل أبو جمعة عالبيت و هو متطمن أنه رح يعرف القصة من أبو احمد الخضرجي ...
بس لسه ما بلش بجلي فنجانه القهوة "باعتبار أم عبدو عم ترضّع الصغير" ..سمع اصوات أعلى من قبل.. و ركض عالبلكون و شاف شلة مسلحين بالسلاح الابيض تحت ..شي سكاكين و شي شنتيانات و شي سيوف و لا كأنه فلم عنترة ابن شداد...
و سيطر المعصّب و جماعته عالوضع و مسكوه لغريمه اللي طلع ابو عثمان جاره لابو عبدو الطابق الاول ..الدرويش .. و صار يشحطه المعصّب بالحارة و يصيح و يسب : الزلمة اللي من ضهر ابوه ينزل يدافع عن هالعرصا.. و هيك و هيك بخواته بدي اعمل .. و بدي افعل هيك بالحارة و رجالها.. و ما ترك مسبة .. أبو عبدو رجع راسه لورا شوي و حط البرداية تبع البلكون على راسه و عمل حاله مرة و رجع يتابع القصة ...
بعد ساعة مناوشات و بعد ما تعبت الشوارع بالأدمية و فش قهره المعصّب .. اجت الشرطة و فضت الجموع و أخدوه للمضروب عالسيارة و مسحوا فيه الأرض.. قال ابو عبدو لحاله: أكيد هداك مزبط وضعه مع الشرطة لأنه سمعه للمعصّب عم يقول عالتلفون: عدّي عالمخفر عطيهن خمسة الاف و تعا لعندي انت و الشباب فزعة...
مالكن بالطويلة ... أبو عبدو طلّع حواليه وقت خلصت المشكلة و شاف كل رجال الحارة عالبلكون حاطين ايشاربات على روسهن و عم يتفرجوا و تبادلوا الابتسامات و الباي باي و دخلوا على بيوتهن...
قالتله أم عبدو: يا عيب الشوم عليكن عملتوا حالكن نسوان ما في زلم بالحارة ؟
قال لها: أم عبدو المرجلة أنه انزل آكل قتلة من هالازعر؟
قالتله: لك هي حارتك و عرضك ! و عم يسبك بدون سبب..
قال: طيب خلي غيري ينزل .. ما في غير ابو عبدو .. و دار وجهه و أضاف: هه
 قالتله: لك لو تجمعوا حالكن متل البشر ما كل واحد يهرب و يقول أش بدي .. ما كان صار هيك .. بكرة بيجي غيره و البعدو غيره .. و كل واحد فيكن بدو ياكل قتلة متل ما اكلها أبو عثمان...
بالفعل اجاه يوم لأبو عبدو و من كتر ما أكل قتل .. ترك البيت و هج عالضيعة .. و قال لمرته:
 أي و الله طلع معك حق يا ام عبدو .. كان لازم نجتمع و نقلعه من الحارة ..
موطن الشاهد: لا تكون درويش ... لأنه ما حدا رح يوقف معك من أهل حارتك...