الأربعاء، 19 أبريل 2017

قصص أبو عبدو جارنا - معارك شدّ الشعر في النزوح ...(11)


ب ٢٠١٢ أول ما بلشت المسلحة بحلب و قرب الجيش الحر على بستان القصر أبو عبدو وقع قلبه و قلي أنه رح ينزح لعند بيت أخته على حلب الجديدة كم يوم ريثما تنتهي القصة بالحارة، خصوصي أنه بيتنا قريب من المخفر...

و بعد ما تحرّرت بستان القصر شفت أبو عبدو رجعان عالحارة و عم ينزّل الأغراض من السيارة شناتي سناتي، سلمت عليه و سألته أنه ليش رجعت أبو عبدو؟ لسه القصف شغّال و كل يوم و الوضع أبشع من وقت نزوحك! ما صارلك أسبوع نازح؟

قلي: يا سيدي قصة طويلة..
و حطّ الشناتي على طرف الرصيف و قال للأولاد يطالعوهن عالبيت و شغّل سيجارة على قهر و كمّل:
قررنا ننزح لعند بيت أختي باعتبار هي عايشة مع ابنها لحالهن بحلب الجديدة و بعد ما وصلنا ب٤ ساعات و أهّلوا و سهّلوا فينا و إذ... بيندقّ الباب.. بيفتح ابني عبدو... ولا جاي أخوي و مرته و ولاده كمان... و بعد نص ساعة اجت أختي التانية و معها كناينها التنيتين و أخت كنتها و حماة ابنها!
- أي!
ـ أي أشو أي! ما في حلّ يعني الكل خايف من الرصاص و القصف و اتفقنا نتحمل بعض هالكم يوم اللي بدنا نقضيهن شلون ما كان ريثما يتغير حال حاراتنا ... أخوي ساكن بهنانو و أختي بطريق الباب و بيت حما ابنها بصلاح الدين و الوضع اضرب من بعضه....
- أي منيح و الله.. معناها جاي زيارة و راجع!
- لا و الله ..

و قعد أبو عبدو عالرصيف و نفخ نفخة من سيجارته حسيتها سودة من كتر مو مقهور و قلتله فضفض أبو عبدو أنا متل أخوك..
- من أول ساعتين أختك أم عبدو أخدتني على طرف و قالتلي هدول الشرنّات كناين أختك أش جابهن.؟ ان شاء الله بدي اجلي و اطبخ و أغسللهن؟ أبو عبدو هيك ما اتفقنا هه! هدول مملخات ما بيشتغلوا شغلة و نحن صرنا بالبيت عشرين نفر!
قلتلا : يا ام عبدو يا عمري أنتي عقلك كبير .. نحن مو جايين سيران.. نحن نازحين هربانين من القصف و الموت...

و سكتت أختك أم عبدو و هزت براسها كأنه حكيي ما عجبها و راحت "دون أن تنظر خلفها"، و ما في دقيقتين سمعتلك صوي و صراخ و عويل من المطبخ.. ركضت و شفت أم عبدو علقانة مع وحدة من البنات و بلش العضّ يا معلم.. و لك أنا ما بحسن أقرب و لا أطلع هدول غريبات يعني و انشال حجاب وحدة و أنا درت وجهي و أعيط و اصرخ و أشجب و أستنكر و لا كأنه حدا عم يصرخ لحتى أجت أختي الكبيرة و شمطتهن كل وحدة كف و بعدتهن عن بعض و رتحت أم عبدو على الغرفة و هي عبتبكي...
لحقتها أبهدلها و لا شفتها عم تضرب حالها و تضب غراضها و عم تشكي و تبكي حظها..كل هدول مع بعض بنفس اللحظة.. و لسه ما قلت : ولك أم عبدو أنا مو قلت.....
قاطعتني و عيونها محمرّة و دموعها بطولها و عبست و تولّت و هي عم تكزّ بسنانها كأنها بدها تاكلني:
- قلت و لا ما قلت .. أنا هون ما ببقى و لا ثانية ... أنا وحدة مسفّقة تقول عني "طابة" و التانية تضحك متل النسناس! أبو عبدو أنت على العين و الراس.. أنا رايحة عند بيت أخوي بتحب تجي معي أهلا و سهلا ... ما بتحب أنا مستحيل أضل..

و بعد نقاش طويل و مرير بقينا ليلة و نمنا فيها شلون ما كان و تاني يوم الصبح صالحناهن و اعتذروا منها و طلعنا عند بيت أخوها ابو فوزي...

- أي و أنت شلون علاقتك فيه أخوها؟
- و الله ممتازة ما في غير كل ودّ و احترام ... لحد ما رحنا نزحنا لعندو...
- خير شو صار كمان؟
- نحن دقينا الباب و فتحلنا ولد عمره ٥ سنوات ما منعرفه ... قلتله مرحبا عمو.. قام بزق علي مي كان مجمعها بتمه و هرب! و اجا وراه أخوها و قال هاد ابن ابن حماه بدنا نتحمله لأنه سعدان كتير و ابن حماه متصاوب و قاعد بالفرشة و وضعه صعب.. و دخلنا نحن و ولادنا ال ٤ و شناتينا..و دخل اخوها على غرفته و ٣ ساعات و نحن قاعدين بالصالون و ما حدا اجا استقبلنا أو سلم علينا .. ما في غير هالقرد الصغير يجي يسبنا أو يشلف علينا أكل أو مي أو وسخ و يهرب.. و نحن قاعدين بدون صوت و مسيطرين عالاولاد و ما نسمع غير دقة الباب .. فتح السعدان ولا جاي اخوها ابو فايز و معه مرته و ٣ اولاد .. و بلشت الحفلة ...
- وين ساكن ليش ابو فايز؟
- ساكن بالجميلية .. و ما في شي .. بس مرته غارت من اللي عم ينزحوا و قال هي شو ناقصها كمان بدها تنزح! و تحججت انه خايفين من القصف يقرب عليهن...
- أنه معتبرتها موضة النزوح؟
- شو بعرفني عقل النسوان و جوزها ابو فايز ما بيرفضلها طلب و بيقتنع منها بكلشي بتقوله .. و أول ما دخلت و شافت أم عبدو متصدرة و قاعدة عالديوانة "الصوفا" ... قالت و هي عم تكز .. الله لا كان جاب الغلا.. و أختك أم عبدو قامت وقفت عالديوانة و صاحت.. أش قلتي يوم .؟ هاد بيت اخوي و الصدر الي صح و لا لأ أبو فوزي؟ و أنت مالك لسان ترد عليها أبو فايز و لا قطعتلك راس القط عالسرنوّة الفاجرة؟
 و بلشت معركة اللسانيات بيناتهن و اشتغل الضرب و شد الشعر و السعدان الصغير يضحك و يروح يجيب سطل مي و يرشهن و ارتفعت وتيرة العراك و ضربنا بعض انا و ابو فايز و اجا ابو فوزي يخلصنا و اكل بوكس طايش و قلعنا كلياتنا من بيته و رجعنا عند بيت اختي عيني زرقة و ام عبدو وجهها مشحر...
- حسبي الله و نعم الوكيل.. يعني نمتوا عند بيت اختك هديك الليلة...
- ههه يا ريت... قوم قوم نشرب كاسة شاي عند أبو أحمد الخضرجي و اكملك ...
- أبو أحمد مسكر قال نزح عند بيت أخوه بالحمدانية..
- أي و الله نسيت.. ولاك عبدو قول لامك تعمللنا كاسة شاي روح...
و تابع أبو عبدو سيرة النزوح اللي قضاها خلال أسبوع واحد و أحداث أكشن كل يوم تصير معه و يتقلع من بيت و يروح على بيت تاني ... و أجت الشاي لما وصلنا على آخر بيت  و قال ابو عبدو:
- و نزلنا ببيت رفيقي أبو صابر بالإذاعة باعتبار هو سافر عالضيعة عند أهله و بعتلي المفتاح .. هون ارتاح راسي و قلت خلص هالمرة رح نقعد هون شهر ريثما تخلص المشاكل الخارجية و ما بقي عنا مشاكل داخلية.. دخلنا عالبيت و وزعت ام عبدو الاغراض و استكشفت البيت و الحمام و المي و هالقصص و انا شفت وضع المي و الكهربا و الابواب ... و بعدها قعدنا نرتاح و قلت لام عبدو تعمللنا كاسة شاي نروق شوي.. قالتلي حاضر و راحت عالمطبخ و لسه ما شغلت تحت البريق منسمع صوت ضرب رصاص ماله والي.. تجمعنا بالغرفة مرعوبين و لا نزلت قذيفة عالسطوح و الغبرة عجت عج.. و نزلوا الجيران كلهن لعنا باعتبار البيت أرضي و وحدة من الجارات كانت "رغدة" و قبل ما تسالني مين رغدة... هي كانت خطيبتي قبل ما اخطب ام عبدو... و بلش القواص الداخلي و وصلنا للطلاق انا و ام عبدو .. و هربت من البيت تحت القصف و بين الرصاص و لحقتني ام عبدو و الاولاد و طلعنا بتكسي و قررنا نرجع نموت ببيتنا أحسن ما نموت بمعركة شد شعر و بوكس عديل أو ابن أحما... و طلعنا بالتكسي و جينا...

شربنا أنا و أبو عبدو شفة من كاسة الشاي و لا أجت أول سيارة .. كان ابو أحمد و مرته و ولاده .. أبو أحمد عينه زرقا و حاطط لصقة جرح على جبينه ... و ضحكنا أنا و أبو عبدو و أشرلي بعينه على عيلة أبو محمد و بعدها عيلة خالد و بعدها عيلة أبو علي ... كلهن رجعانين مهركلين و هاد اللي عينه زرقا و هاد المشحّر و هاد المضمّد...

#موطن_الشاهد:
المرة ما عندها أغلى من كرامتها .... لا حرب و لا قصف بيخليها تسكت عن إهانة....


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق