الأربعاء، 15 مارس 2017

٢٧ محاولة فاشلة ... رحلتي للدخول الى تركيا ... (1) اسباب قرار اللجوء


 لم يكن لدي أي رغبة للاستقرار في تركيا على الإطلاق، حتى أنني في زيارتي الأخيرة عام 2015 إلى تركيا لرؤية والدتي، ذهبتُ للأمنيات و استصدروا لي هوية تركية "الكملك" و في اليوم التالي مباشرة استخدمتها للدخول الى سوريا و سلمتها في المعبر و وقّعت على ورقة بعدم حاجتي للحماية المؤقتة من تركيا و بأنني أريد العودة لسوريا بإرادتي.

مغادرة بستان القصر في 2015:
اول اجتماع لمجلس الثوار في مقره الجديد و بصيغته الجديدة
-  كنت قد اخترت الخروج من بستان القصر- التي لم أغادرها منذ ولدت فيها عام ١٩٨٣- و غادرتها في نهاية ٢٠١٥ مع زوجتي و بناتي "بيسان ٣ سنوات، و شام ٢ سنة" و السكن في منطقة "شارع بغداد" جنوب حريتان في ريف حلب الشمالي بالقرب من عائلة زوجتي، خاصة بعد مغادرة والدتي و عائلة أخي إلى تركيا، إلا أنني كنت في رحلة يومية مع الموت عبر طريق الكاستيلو ذهاباً و إياباً إلى حيي الذي اختارني ثواره رئيساً لمجلس الثوار فيه مدة ثمانية أشهر.



الوضع الأمني في شارع بغداد-حريتان:
- في شارع بغداد لم يكن الوضع أفضل حالاً لا الأمني و لا الخدمي و لا الاجتماعي، فحالات الخطف و التصفية عاينتها أكثر من أربعة مرات، إحداها اختطاف شخص أمام عيني ببيكاب لا نمرة له، و الأخرى جثة شخص آخر تم اغتياله و وضعه في بداية شارع بغداد، كما عاينت "اعدام طفل بتهمة ممارسة فعل لوط" من قبل دار القضاء التابع لجبهة النصرة و المهاجرين و الأنصار و جلد آخر في ساحة كفر حمرة لأنه كفر.
رصدي لحواجز حلب على الواتس اب

- للكاستيلو حكاية أخرى، كنت قد عملت عن الكاستيلو و المناطق المحيطة به أكثر من تقرير اخباري عندما كنت مراسلاً لقناة الغد العربي:
https://www.youtube.com/watch?v=UFpDqI66OBE

القصف اليومي لهذا الطريق و المحاولات المتكررة للسيطرة عليه من قبل النظام المجرم منذ سنين جعله طريقاً للموت و للعبور إلى الجنة و ليس للعبور من و إلى المدينة.

إلا أن لجبهة النصرة رأيٌ آخر في الطريق حيث ساعدت بزيادة المصاعب و الخطورة على الطريق و وضعت حاجزاً من الملثمين على الطريق الترابي الوحيد الواصل بين المدينة و الريف، و الحاجز كان يعتقل و يختطف الناشطين و الثوار و الجيش الحر منه، لدرجة انني كنت أقوم بعمل رصد يومي للحواجز و نشره على مجموعات الناشطين و الثوار بسبب تنقلي الدائم بين الريف و المدينة، و كان الوضع مخيفاً و لم يكن قد مضى على اختطافهم لـ"أبو ماجد كرمان  زمناً طويلاً و الذي لا نعرف عنه شيئاً حتى اللحظة و هو رئيس مجلس حي الإذاعة و والد الشهيد "ماجد كرمان"، و لا لخطفهم "ريان ريان" أيضاً و هو عضو مجلس ثوار بستان القصر و أفرجوا عنه بعد ضغط ثوري و عسكري و كان يحمل على جسده علامات الضرب و التنكيل من قبل أمنييهم الملثمين.

مكان حاجز النصرة على الكاستيلو



فكنت أبتدع الحيل للوصول إلى حارتي في المدينة و العودة إلى بيتي في شارع بغداد، فمرّة أعبر مع سيارة عسكرية و أخرى أحمل هوية مختلفة و ورقة امنية و أغير مظهري الخارجي، و أحياناً أنتظر انصرافهم و أغادر المدينة ليلاً على الرغم من وجود الطائرات التي تستهدف أي شيء متحرك و كنا لا نستطيع أنا و أبو أحمد - المصور و رفيق مغامراتي الدائم- أن نشعل ضوء قداحة أثناء العبور من الطريق الوعر و المليء بالحفر الناتجة عن القصف، و في إحدى المرات تعطلت معي السيارة في منتصف الطريق، و مرة لم نستطع العبور بسبب العتمة و وجود اربعة طائرات في الجو فاستغرقت رحلتنا ١١ ساعة بدلاً من ٤٠ دقيقة.

هي تفاصيل يومية لم تكن تهمني و ربما كنت قد وصلت الى درجة من التصالح مع الموت إلى أعلى درجة، و لكنني كنت اخاف الغدر و الخطف و النيران الصديقة.





أسباب اليأس و الرحيل:
تقريري عن دحر داعش من حلب في اليوم الثاني من المعارك
في ٢٠١٥ اقتربت حلب كثيراً من الحصار، فما كان مني إلا الرجوع إليها أنا و عائلتي لمشاركة الحصار مع أصدقائي و أبناء مدينتي،  و بقيت ١٥ يوماً لكن شبح الحصار ابتعد أخيراً فعدت إلى بيتي في شارع بغداد.
إلا أن هذه الروح المثابرة و النضالية كما توصف من البعض غادرتني و لم تعد إلي لأسباب كثيرة منها حواجز النصرة و اختطافنا بدون سبب، و كان تنظيم داعش هو من سنّ هذه السنّة و قتل من أصدقائي المقربين أكثر من ثمانية، شاهدتهم مقتولين برصاصة في الرأس و وثقت موتهم و أنا أبكي في الشهر الأول من 2014 في مجزرة مشفى العيون.
و كنت قد تلقيت تهديداً مباشراً منهم إلا أنني استطعت الاختباء منهم بحماية صديقي الصدوق و القائد العسكري الثوري "أبو عبدو شيخ العشرة" الذي كان واضحاً منذ البداية في موقفه معهم و موقفه تجاه الثورة و تجاه الثوار و الناشطين و لم يكن أحد أسباب يأسي على الإطلاق.
غير أن التدخّل الروسي قلب المعادلة، ما لم أكن أصدقه هو دخولهم بشكل فعلي إلى المعارك، و اليوم الأول للخبر لم يكن صادماً بالنسبة لي بل كنت أكذّبه في أي محفل كنت أتواجد فيه، و بدأت المعادلة بالانقلاب، و القصف الروسي لم يكن طبيعياً على الاطلاق سواء في المعارك أو فوق رؤوسنا و رؤوس سكان المناطق المحررة، و كان واضحاً التفوق الرهيب في العتاد و التكنولوجيا المتطورة، و بدا اليأس يتسلل إلى داخلي، و كنت أشاهد معارك غير متكافأة على الإطلاق أهمها كان معارك الريف الجنوبي لحلب و التي عاينتها و عاينت القصف فيها بأم عيني، لقد كانت روسيا سخيّة جداً بالموت و صناعته بكل الأشكال التي أعرف و لا أعرف، و كانت ليلتي في ريف حلب الجنوبي بعنوان "الموت القريب".
تلك الليل جعلتني انتظر التحول من الدول التي تقول بأنها صديقة لنا، دون ردّ...
لقد كان واضحاً التخلي عن المعارضة و انقلاب الجميع على الثورة و الاصطفاف إلى جانب خيار تراجع الثورة و سواء لرغبتهم أو لخوفهم من روسيا لا أعرف، إلا أن هذا الموقف الواضح بالنسبة لي جعلني أضيف جميع المخاوف و الأسباب الدافعة لليأس من الكتائب العسكرية التي كانت لا تعيرنا اهتماماً بل و لا تحمينا و لا تدافع عن الثورة و مستحقاتها، لقراري في المغادرة إلى تركيا، التي لم أكن أفكرّ فيها على الإطلاق سابقاً، حتى عندما قصف بيتي و حملت طفلتي من تحت الشبابيك التي سقطت فوق رؤوسهن بكل الغبار الذي ملأ وجوههن الغضة و بكائهما الهستيري الذي لا أنساه، و ذلك الفجر الأغبر لم يغادر ابنتي شام "٣سنوات" فهي إلى اليوم تخاف الأصوات المرتفعة و تخاف صوت الأذان إن كان قريباً أو مرتفعاً، خوفاً شديداً باكياً.

في نهاية شهر شباط 2015 نزوح إلى دركوش في ريف ادلب:
امتلأت حريتان و شارع بغداد بالدماء، و تحولا إلى حالة هيسترية من الحجارة المتناثرة و الأشلاء المتقطعة و الصراخ و البكاء و الخوف و النزوح، فقررنا أن نحافظ على حياة عائلاتنا و غادرنا إلى دركوش المدينة الهادئة الوديعة المتربعة على ضفتي نهر العاصي، و بدات رحلة البحث عن طريقة للتهريب إلى تركيا و إيجاد بيت للسكن في دركوش.

و سأتكلم في التدوينة القادمة عن أول محاولة تهريب فاشلة إلى تركيا.





وائل عادل ١٥-٣-٢٠١٥
عنتاب

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق