لم يكن لدي أي رغبة للاستقرار في تركيا على الإطلاق، حتى أنني في زيارتي الأخيرة عام 2015 إلى تركيا لرؤية والدتي، ذهبتُ للأمنيات و استصدروا لي هوية تركية "الكملك" و في اليوم التالي مباشرة استخدمتها للدخول الى سوريا و سلمتها في المعبر و وقّعت على ورقة بعدم حاجتي للحماية المؤقتة من تركيا و بأنني أريد العودة لسوريا بإرادتي.
مغادرة بستان القصر في 2015:
![]() |
اول اجتماع لمجلس الثوار في مقره الجديد و بصيغته الجديدة |
الوضع الأمني في شارع بغداد-حريتان:
- في شارع بغداد لم يكن الوضع أفضل حالاً لا الأمني و لا الخدمي و لا الاجتماعي، فحالات الخطف و التصفية عاينتها أكثر من أربعة مرات، إحداها اختطاف شخص أمام عيني ببيكاب لا نمرة له، و الأخرى جثة شخص آخر تم اغتياله و وضعه في بداية شارع بغداد، كما عاينت "اعدام طفل بتهمة ممارسة فعل لوط" من قبل دار القضاء التابع لجبهة النصرة و المهاجرين و الأنصار و جلد آخر في ساحة كفر حمرة لأنه كفر.
![]() |
رصدي لحواجز حلب على الواتس اب |
- للكاستيلو حكاية أخرى، كنت قد عملت عن الكاستيلو و المناطق المحيطة به أكثر من تقرير اخباري عندما كنت مراسلاً لقناة الغد العربي:
https://www.youtube.com/watch?v=UFpDqI66OBE
القصف اليومي لهذا الطريق و المحاولات المتكررة للسيطرة عليه من قبل النظام المجرم منذ سنين جعله طريقاً للموت و للعبور إلى الجنة و ليس للعبور من و إلى المدينة.
إلا أن لجبهة النصرة رأيٌ آخر في الطريق حيث ساعدت بزيادة المصاعب و الخطورة على الطريق و وضعت حاجزاً من الملثمين على الطريق الترابي الوحيد الواصل بين المدينة و الريف، و الحاجز كان يعتقل و يختطف الناشطين و الثوار و الجيش الحر منه، لدرجة انني كنت أقوم بعمل رصد يومي للحواجز و نشره على مجموعات الناشطين و الثوار بسبب تنقلي الدائم بين الريف و المدينة، و كان الوضع مخيفاً و لم يكن قد مضى على اختطافهم لـ"أبو ماجد كرمان زمناً طويلاً و الذي لا نعرف عنه شيئاً حتى اللحظة و هو رئيس مجلس حي الإذاعة و والد الشهيد "ماجد كرمان"، و لا لخطفهم "ريان ريان" أيضاً و هو عضو مجلس ثوار بستان القصر و أفرجوا عنه بعد ضغط ثوري و عسكري و كان يحمل على جسده علامات الضرب و التنكيل من قبل أمنييهم الملثمين.
![]() |
مكان حاجز النصرة على الكاستيلو |
فكنت أبتدع الحيل للوصول إلى حارتي في المدينة و العودة إلى بيتي في شارع بغداد، فمرّة أعبر مع سيارة عسكرية و أخرى أحمل هوية مختلفة و ورقة امنية و أغير مظهري الخارجي، و أحياناً أنتظر انصرافهم و أغادر المدينة ليلاً على الرغم من وجود الطائرات التي تستهدف أي شيء متحرك و كنا لا نستطيع أنا و أبو أحمد - المصور و رفيق مغامراتي الدائم- أن نشعل ضوء قداحة أثناء العبور من الطريق الوعر و المليء بالحفر الناتجة عن القصف، و في إحدى المرات تعطلت معي السيارة في منتصف الطريق، و مرة لم نستطع العبور بسبب العتمة و وجود اربعة طائرات في الجو فاستغرقت رحلتنا ١١ ساعة بدلاً من ٤٠ دقيقة.
هي تفاصيل يومية لم تكن تهمني و ربما كنت قد وصلت الى درجة من التصالح مع الموت إلى أعلى درجة، و لكنني كنت اخاف الغدر و الخطف و النيران الصديقة.
أسباب اليأس و الرحيل:
![]() |
تقريري عن دحر داعش من حلب في اليوم الثاني من المعارك |
إلا أن هذه الروح المثابرة و النضالية كما توصف من البعض غادرتني و لم تعد إلي لأسباب كثيرة منها حواجز النصرة و اختطافنا بدون سبب، و كان تنظيم داعش هو من سنّ هذه السنّة و قتل من أصدقائي المقربين أكثر من ثمانية، شاهدتهم مقتولين برصاصة في الرأس و وثقت موتهم و أنا أبكي في الشهر الأول من 2014 في مجزرة مشفى العيون.
و كنت قد تلقيت تهديداً مباشراً منهم إلا أنني استطعت الاختباء منهم بحماية صديقي الصدوق و القائد العسكري الثوري "أبو عبدو شيخ العشرة" الذي كان واضحاً منذ البداية في موقفه معهم و موقفه تجاه الثورة و تجاه الثوار و الناشطين و لم يكن أحد أسباب يأسي على الإطلاق.
غير أن التدخّل الروسي قلب المعادلة، ما لم أكن أصدقه هو دخولهم بشكل فعلي إلى المعارك، و اليوم الأول للخبر لم يكن صادماً بالنسبة لي بل كنت أكذّبه في أي محفل كنت أتواجد فيه، و بدأت المعادلة بالانقلاب، و القصف الروسي لم يكن طبيعياً على الاطلاق سواء في المعارك أو فوق رؤوسنا و رؤوس سكان المناطق المحررة، و كان واضحاً التفوق الرهيب في العتاد و التكنولوجيا المتطورة، و بدا اليأس يتسلل إلى داخلي، و كنت أشاهد معارك غير متكافأة على الإطلاق أهمها كان معارك الريف الجنوبي لحلب و التي عاينتها و عاينت القصف فيها بأم عيني، لقد كانت روسيا سخيّة جداً بالموت و صناعته بكل الأشكال التي أعرف و لا أعرف، و كانت ليلتي في ريف حلب الجنوبي بعنوان "الموت القريب".
تلك الليل جعلتني انتظر التحول من الدول التي تقول بأنها صديقة لنا، دون ردّ...
لقد كان واضحاً التخلي عن المعارضة و انقلاب الجميع على الثورة و الاصطفاف إلى جانب خيار تراجع الثورة و سواء لرغبتهم أو لخوفهم من روسيا لا أعرف، إلا أن هذا الموقف الواضح بالنسبة لي جعلني أضيف جميع المخاوف و الأسباب الدافعة لليأس من الكتائب العسكرية التي كانت لا تعيرنا اهتماماً بل و لا تحمينا و لا تدافع عن الثورة و مستحقاتها، لقراري في المغادرة إلى تركيا، التي لم أكن أفكرّ فيها على الإطلاق سابقاً، حتى عندما قصف بيتي و حملت طفلتي من تحت الشبابيك التي سقطت فوق رؤوسهن بكل الغبار الذي ملأ وجوههن الغضة و بكائهما الهستيري الذي لا أنساه، و ذلك الفجر الأغبر لم يغادر ابنتي شام "٣سنوات" فهي إلى اليوم تخاف الأصوات المرتفعة و تخاف صوت الأذان إن كان قريباً أو مرتفعاً، خوفاً شديداً باكياً.
في نهاية شهر شباط 2015 نزوح إلى دركوش في ريف ادلب:
امتلأت حريتان و شارع بغداد بالدماء، و تحولا إلى حالة هيسترية من الحجارة المتناثرة و الأشلاء المتقطعة و الصراخ و البكاء و الخوف و النزوح، فقررنا أن نحافظ على حياة عائلاتنا و غادرنا إلى دركوش المدينة الهادئة الوديعة المتربعة على ضفتي نهر العاصي، و بدات رحلة البحث عن طريقة للتهريب إلى تركيا و إيجاد بيت للسكن في دركوش.
و سأتكلم في التدوينة القادمة عن أول محاولة تهريب فاشلة إلى تركيا.
وائل عادل ١٥-٣-٢٠١٥
عنتاب
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق