الخميس، 27 أبريل 2017

قصص أبو عبدو جارنا - الشيخ أبو ابراهيم لفك السحر يسكن في حارتنا ج1 ...(12)

بحارتنا كان في أشخاص تراقبنا بغرض الفضول يعني ما يراقبونا مشان يتفاسدوا علينا، و لكن هيك تعوّدوا خصوصي "أبو علي القصاب و أبو أحمد الخضرجي و أبو محمد بياع السحلب و محمد المصلّح".. هدول كانوا مصدر معلومات، يعني إذا شفت حدا و أنت ماشي بالشارع و سألك عن بيت فلان .. تلقائياً بتقله اسأل واحد من هدول الأربعة .. أو إذا حدا عبيسأل مشان خطبة و جازة و بدو تاريخ العيلة المفصل فعندهن الأرشيف.. و إذا اجتمعوا هدول الأربعة يا لطيف شو بتصير قصص و حكايا...

و كتير من الأحيان بيجتمعوا مشان استكمال معلومات ناقصة عند واحد بيصححها التاني بإثباتات و أدلة، و أحياناً في معلومات بتضل عايشة ضمن نظريات واحد أو تنين منهم و بيبقى الخلاف عليها معلّق و بينتهي الحوار فيها بجملة "متل ما قلتلك أنا"....

و وحدة من أهم هي القصص المعلّقة اللي ما متفقين عليها الشباب الاربعة هي قصة الشيخ أبو ابراهيم.. اللي أجا عالحارة و استأجر بيت "أبو عماد النبلي" و قعد فيه ست شهور و خرب الحارة و طلع...

يوم اللي أجا فيه عالحارة بتذكر كنت أنا رايح عالجامعة و نازل من البيت و شفت منظر غريب كتير... شفت #أبو_عبدو_جارنا يومها عم يبوس إيد الشيخ أبو ابراهيم اللي كرشه كبير و لابس كلابية بيضاء و اله لحية سوداء محنجرة و ماسك بإيدو سواك و حاطط قرعية "أو عرقية" على راسه.. و كانوا شباب الحارة اللي بيشتغلوا بالفاعل كلهم و النجار و صناعيته عم يفضوا الشاحنة و يطالعوله أغراض بيته للشيخ و هو واقف عم يوزع ابتسامات ..

قلت لأبو عبدو أنه ما ارتحت لهالشيخ اللي كل الحارة عم تخدمه و تبوس ايده و قلتله أنه أنا إيد جدّي بالزور ببوسها بدك ياني ابوس ايد زلمة غريب على إيش يا بابا؟
أبو عبدو تلون وجهه ست سبع ألوان و كان شايل كيس مشتريه من عند السمان وقع من ايدو من الصدمة...و انكسر البيض اللي فيه و قلي و هو مفنجر عيونه و ملامحه جمدت و صوته عم يرجف و صار خشن كتير ليش ما بعرف:
- أنت مجنون شي يا ابو فاروق؟ بدك تروّح حالك؟ هاد الشيخ أبو ابراهيم صاحب الكرامات و بيفك السحر و بيقرا للملبوس..

مشينا كل واحد مزعوج من التاني و عم يزاوره و أبو عبدو غضب عليّ، و الشيخ وصله الخبر و صار ينشر أنه أنا كافر بين أهل الحارة و صرت كل ما عدّي من جنب حدا من أهل الحارة حتى اللي ما بعرفهن اسمعه عم يتفتف و يتعاوذ من الشيطان و أنا كنت أضحك بصراحة لحتى أجا هداك اليوم.

كانت المطر عم تكبس و الرعد عم يرعد، و السيول عم تمشي بحارتنا و التكسي اللي عدّت رشقت مي عشر امتار و صوت المي مع صوت واحد عم يصرخ و يشتم الشوفير هو موسيقا الشتاء الاعتيادية... قبل المغرب بساعة الجو كان كئيب و مرعب و ذاكرتي بتقلي انه حزين، كنت عم اركض عالبيت بعد ما نطيت من الباص الاحمر الكبير و وصلت عالحارة و تفاجأت بزحمة ناس تحت بناية الشيخ -التي تقع مقابل بنايتنا تماماً- واقفين تحت المطر و متجمهرين حول سرفيس (نبل-زهراء) و عم يتفرجوا على شي ما عرفت شو هو..

قربت اكتر بداعي الفضول و شفت الشيخ جوا السرفيس و عم يقرأ قرآن بصوت عذب و في بنت تحت ايده حلوة عم تصوي و هو عم يضربها بخرطوم "بربيش" و يصيح :أخرج .. أخرج.. من أنت .. ما اسمك!

أول مرة بشوف قدام عيني هاد المشهد الدرامي المرعب، دارت براسي ست الاف فكرة "أنه في جن و في لبس و بيجوز يكون الموضوع مزبوط و بيجوز تكون حالة نفسية و العلم قال و الدين قال و ال..." لحتى ركضت البنت حفيانة و هربت من السرفيس و اشتغل الصراخ و العياط... و هي عم تركض و وقع حجابها و دار رجال الحارة وجههم و حطوا ايديهم على عيونهم حطة رجل واحد و قالوا: استغفر الله... و لحقوها اهلها و الناس و سادت الفوضى بالحارة ...

رجعت البنت و هي شكلها معها مرض عصبي أو شبه عالبركة... طالعوها على بيت الشيخ.. و مشي السرفيس بالليل و معه الاهل و البنت ...

أم عبدو جارتنا صارت كل يوم ترش ملح على درج البناية و تعمل خط ملح قدام بيتها... و أبو عبدو صار يشيل حجيب و طول النهار يحط على قنوات المشايخ تبع السحر و الشعوذة.. و صارت الاجتماعات الصباحية النسوانية كل يوم تحكي بهالقصص و كل وحدة شو صار معها قصص و هي و صغيرة و شلون انفتح الباب و اشتغل الضو و طفي و شلون سمعت صوت طقطقة و هي القصص الكتيرة و انشغلت الحارة بقصص السحر و الشيخ...

بعد فترة بتفاجأ أبو عبدو جارنا لابس عرقية و طالع لعند الشيخ عالبيت و معه سبعة من رجال الحارة .. ركضت عالبلكون و شفت غرفة الشيخ المطلة عالشارع مشعول فيها ضو أخضر و دقايق و باشر الصوت ... 
الله ... الله ... الله ... حي... مدد .. مدد

قلت بعقلي هاد الشيخ خالط المذاهب و الطرق و الاديان ببعضها، و ما عرفت شو قصة الذكر، و لا فهمت إذا كان هاد الشيخ متصوف و لا متطرف و لا متشيع و لا متسلفن!
كان كل أسبوع في ذكر يوم الاثنين تحديداً الساعة ٧:٠٠ مساءً بيشتغل الضو الأخضر و بتتعطر الحارة بالبخور و بتسمع صوت الرجال عم يذكروا الله ... يمكن كانت الشغلة الوحيدة اللي ما زعجتني من الشيخ .. لحتى بلشت الحارة تتغير ...

صار الربيع .. و شجرة التوت اللي بالحارة بلشت توقع منها التوتات الخضر و تعمل بقع حواليها .. و بتذكر بدخول الربيع أول مرة بيطلب مني بيوم واحد "أبو عبدو و أبو أحمد و أبو علي" دينة لراس الشهر.. و أنا طبعاً ما معي ليرة زيادة.. و سردت الحكاية و الكل صار يطلب و الحارة أعلنت افلاس عام!

أبو أحمد صار يقعد يكش دبان و يبيع خضرة بايتة و صار محله مهجور! و ابو علي القصاب صار يجيب لحمة بالكيلو و الكليين من عند قصاب رفيقه بحارة تانية و يكش دبان أيضاً .. و التكسي اللي مصفوفة بالحارة ما بقى تتحرك صاحبها اللي ما بعرف اسمه ما بقي معه حق بنزين...و صرت أدخل عالحارة و حس أنها حارة مهجورة و انسحب منها الدسم .. و سألت الكل عن القصة ما حدا يعترف و الكل يكابر عاللي صاير معه .. 

الاثنين اللي بعدو كان الجو ربيعي بامتياز .. جهزت بريق الشاي و القعدة عالبلكون مشان استمتع بالذكر و المدائح، صارت سبعة و نصف و ما صار شي .. و اهل الحارة بلشت تعلى أصواتهم تحت .. مديت راسي من البلكون و سمعتهم عم يتعاتبوا:
أبو أحمد: أنت الحق عليك يا ابو عبدو .. انت قلتلي انه شفا بنت خالك و رفيقك بالسكري ..
أبو عبدو: أي انا قلت اللي حكولي ياه .. اذا قلتلك زتّ حالك بالجب بتزتّ؟

و استمر الجدال و الصراخ و أنا انزعجت أنه ما في اليوم سهرة ذكر و ضبيت العدة و دخلت اتفرج عالتلفزيون، و تاني يوم نزلت و أنا ماشي بالحارة ما حدا استعاذ من الشيطان و لا بصق! استغربت الحكاية حتى أبو أحمد الخضرجي رد السلام بصوت عالي و أبو علي قلي تفضل خاي تعا شراب كاسة شاي.. قلتله و الله عندي شغل المسى بشوفك ان شاء الله ...

المسى كانت قفلة الحكاية و اجتمعوا المصادر الأربعة للحارة و قعدنا قدام دكانة أبو علي اللي ريحتها نضافة لأول مرة بالتاريخ .. لأنها ما شافت اللحمة من شهور! 
أبو علي: أهلين بالشباب ... وينه ابو عبدو لكان .. الله يعدمني قامته!
أبو أحمد: دقيقة بيجي بيكون عبياخد اذن خطي من المدام ههههه
و ضحكوا الكل .. انا ما بستغرب لأنه أهل حارتي قلبهم طيب كتير بعرفهن .. شقد ما كانت المشاكل كبيرة تاني يوم بينسوها و بيضحكوا و بترجع العلاقة متل قبل.. لأنه كلهم بيعيشوا يومهم و ما عندهن شي يخسروه و عادي انه إذا مرت عليه أزمة مالية بيرجع بيبلش من الصفر .. أصلاً كل شهر شهرين منبلش من الصفر ...

محمد المصلح: هه و هي ابو المصايب .. أهلين أبو عبدو كنا عم نحكي عليك بالمنيح ههههه
أبو عبدو: صب شاي .. يبلاني بقتلي يا ولاد حارتي شقدني جحش...
صوت جماعي "محشوم أبو عبدو" 
أنا: لك اش في؟ أش عبصير معكن؟
أبو عبدو: أنت كافر خليك على طرف ...
و الكل ضحك و أنا مستغرب ...
أبو علي: هاد يا سيدي .. ابو ابراهيم الشيخ طلع مساعد بأمن الدولة .. و شفط كل مصارينا عأساس يعالجنا من السحر و يفك الرصد .. و طار !
أبو أحمد: طار بالهوى شاشي و انت ما تدراشي ...
الجميع " يا شيخي"
أنا : لك شلون طلع مساعد بأمن الدولة يعني!
أبو عبدو: متل ما عبقلك ... شفته بعيني و سألت و تأكدت .. و هلأ هو محبوس تأديبي ١٥ يوم لأنه كبر كلام مع معلمه بالفرع.. و رجعان بعد ٣ ايام ...
أنا : أي و شو رح تعلموا  بس يرجع؟....


يتبع....










هناك 4 تعليقات:

  1. ممتع جداً صديق السجن
    علوا اشوف شي قصة عن يوم المحاكمة سوا

    ردحذف
    الردود
    1. ههههه قول انه انمسكنا بالمظاهرات .. اللي بيقرأ التعليق بيفكر تحاكمنا و انسجننا بشي شغلة محرزة 😂
      ابشر بس اكمل هي.. منسرد وحدة عن السجن بالامن العسكري بتهمة التحريض على التظاهر و اثارة النعرات الطائفية و الاثنية..👍🏼👍🏼

      حذف
    2. رائع معلم يعطيك العافية هيك قصص بتذكرني بطفولتي بحارتي العتيئة رشرشة المي ع الرصيف وزرعة الريحانة والشيكلس بس زكاتك لا تطول بالكمالة لأني رح أتابع

      حذف
    3. شكراً عالمديح 😍 خجلتني..
      ابشر ان شاء الله الجزء 2 قريب عالنار عم ينطبخ..

      حذف