الثلاثاء، 14 مارس 2017

قصص أبو عبدو جارنا - زيارة الموت... (٢)

كان يوم سبت بشتاء 1989 و انا كنت صفّ أوّل .. مصروف و الدنيا رعد و برق و مطر كبس.. كان بيتنا بـ(تلّة السودة) قبل ما نتطوّر و ننتقل لبستان القصر بال 1990..
تلّة السودة منطقة تقع ضمن اللاخريطة جغرافياً .. يعني بتذكّر بنايتنا كانت مايلة و كان كلّ ما تعدّي سيارة شحن كبيرة بالحارة يرقص بيتنا ذات اليمين و ذات الشمال...و بعدين وقعت البنايات كلها بال1996 على ما أذكر..
مالنا فيها.. 
أبو عبدو جارنا كان وقتها اسمه صالح و لسه ما كان متجوّز و كان يبيع بليلة.. و على قولة أمه:
 - يا حسرتي عليه كل يوم بدو يجرّ هالعربية من هون لساحة سعد الله و ما بيرجع لحتى ينفّق آخر عرنوص..
منرجع لليوم الشتَوي اللي كان مَفصل من مفاصل طفولتي.. يومها و أنا راجع من مدرستي و لابس جزمتي المشمّع الفقيرة و عم نط بين بقع الميّ... شفته لصالح من بعيد و هو عم يشيل عرانيص الدرة من المي المغلية و يضرب فيهن حاله و يبكي و يصيح!!!!
 انجدبت و ما استوعبت اللي عم يصير! قربت بهدوء و سمعته عم يصيح: يا يابوو يا يوووب..
قالتلي أمي أنه أبوه مات ... ما استوعبت القصة و انسليّت بعد كم ساعة بين الناس اللي متجمعين بصالون بيتهم المعتم و الفقير .. و عم يكتّوا مَي على شي ... قربت و شفت محمود ابن جيراننا اللي امي ما بتخليني احكي معه.. قلي: تعا شوف شلون عم يغسلوه لأبو صالح !!!
كرهت الشتاء.. و كرهت حالي.. و الكوابيس ما عادت تغادرني .. و طفولتي المشرّدة تشرّدت أكتر..
عبحكيله هالقصة من شي سنة و نص لأبو عبدو جارنا .. انه انتزع عقلي يومها وقت شفت الميّت.. قام ضحك و صاح لعبدو الصغير:
- ولاك عبدو .. كم تخسيلة ميّت صار حضرت؟
 - أبوووووو .. كتير يا يوب .. و انا على طول بعطيهن القطنة!
قلتله: و مبسوط ؟! شوّهت طفولته للولد يعني..فرحان ؟
قلي ابو عبدو:
- يا أب فاروق .. يا خاي.. بحارتنا بس ما مات فوق العش تالاف زلمة؟
 لك بشارعك هاد ما مات فوف الالف؟ لك ضل للموت رهبة؟ من كل عقلك ! الولد صار شاف مشكل ملون و صار الموت عنده متل شربة الميّ.. بتعرف من أشو بخاف عليه؟
قلتله:
- لا و الله ما بعرف! تفضّل عرّفني؟!
قلي:
 - من الكهربا وقت بتجي .. شلون بدي أشرحله أش هي الكهربا النظامية و هو ما بيعرف غير الامبير و الليدات..و الله بخاف تتشوه طفولته بشوفة طلّتها البهية ..شيل عني قال موت..
#موطن_الشاهد: الموت كان عم يزور حارتنا أكتر من الكهربا بحسب نظرية #أبو_عبدو_جارنا ..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق