الجمعة، 31 مارس 2017

قصص أبو عبدو جارنا - لن أقطع الغالي +18.... (9)



صورة الشاب الذي قطع عضوه و صرخ أنا امرأة في حلب
وقع قلب #أبو_عبدو_جارنا عندما سمع بقصّة الشاب الحلبي الذي قطع عضوه التناسلي كي لا يُساق إلى صفوف الاحتياط في الجيش، و أبو عبدو عاد ليقيم منذ شهور في مدينة حلب و بدأ يتعلم اللغة الروسيّة بعد أن عمل في محل بقالة في وسط البلد، و صار يميّز العسكري الروسي عن العسكري الشيشاني بسرعة، و لكنه لم يكن ينتظر اليوم الذي يتحول فيه العسكري الروسي من زبون في المحل إلى قائد في القطعة!



عاد إلى البيت سالكاً طريق سوق الهال ثم معبر كراج الحجز الذي كلّما عبر منه يحاول أن لا ينظر إلى سوره المليء بآثار رصاص القناص الذي قتل صديقه الصدوق "أبو لطفي".

وصل إلى الحاجز العسكري الثالث و ارتجف عندما طلب منه العنصر بطاقته الشخصية "للتفييش" .. أخرج أبو عبدو البطاقة الشخصية "الهويّة" و مدّ يده المرتجفة حاملاً البطاقة تجاه العنصر المشغول بالنظر إلى فتاة جميلة مارّة، أمسك العنصر الهوية و هو يعدّل نظارته الشمسية و يبحلق بالفتاة، بينما كان أبو عبدو ينظر للأسفل إلى بنطاله حزيناً مكتئباً خائفاً، أعاد العنصر البطاقة لابو عبدو دون النظر إليها و قال له:
- روح عن طيزنا هلأ وقتك.. يلا انقلع.. و لك شو هالحلو يا حلو؟
تابع العنصر حديثه مع الفتاة و طلب بطاقتها و جوالها للتفتيش.. نظر إلى أبو عبدو المتسمر في مكانه و هو يضع يديه تحت بطنه -كالحركة التي يحمي بها لاعبوا كرة القدم عندما يقفون حائط صد في وجه رمية مباشرة- و صرخ:
- ولا حيوان لسه واقييف؟ انقلع أحسن ما اقطلعك ياه بإيدي مَ تحافظ عليه عأساس عليه ما هيكيا؟
- الله يعطيكن العافية سيدنا ... السلام عليكم..
- حيوان لايا..

مشى أبو عبدو مبتهجاً بعدم خسارته لأغلى ما يملك، و لكنه كان مكتئباً في نفس الوقت، و يقول لنفسه لو أنه دقق على البطاقة و طمأنني بأنني مطلوب أو لست مطلوباً لكنت ارتحت.

أم عبدو لم تكن مقتنعة بموضوع الاحتياط و لكنها قالت لجارتها :
- الرمد أحسن من العمى يا خيت..
و حاولت جاهدةً اقناع أبو عبدو أن لا يفعلها إن كان اسمه في عداد الاحتياط، و بأن الموضوع لا يهمها ابداً، هي فقط لأجله فالحرب لن تستمر، و لكن الحياة مستمرة.

لم يترك أبو عبدو قريباً أو غريباً إلا و سأله عن الاحتياط و طريقة معرفة ذلك و الطرق الممكنة للتخلص من هذا الرعب، و ما هي الجبهات التي من الممكن أن يرمى إليها، و حاول حتى سؤال زبونه الروسي في اليوم التالي .

في اليوم التالي كان أبو عبدو في طريق العودة الى البيت و رأى أبو ابراهيم صديقه القديم -الذي كان يسرق من السوق كل ما يستطيع سرقته و الآن صار مسؤولاً عن حاجزين و مفرق- و كان أبو عبدو غاضباً حانقاً و ألقى السلام عليه و رد أبو ابراهيم السلام بحفاوة  معتقداً أن الكتكوت -كما كان يدعوه- قادم برزقة جديدة و سيشتكي على أحدٍ ما لم يرد له دينته أو ليسأل عن شيء قد سرق منه،  و ساله ابو عبدو سؤاله الدائم عن الاحتياط و الخدمة و مخاوفه، لكن أبو ابراهيم رمقه بنظرة من الاسفل للأعلى و من الاعلى للاسفل و قال له :
- و لك هنت حيوان شي؟ مَ تسأل مشان تتهرب من الاحتياط يعني ؟ و لك هيدا الوطن هيدا أغلى من راسك يا سافيل روح انقلع من وجهي أحسن ما أفرمك كباب و طعميك للعناصر الأبطال اللي مَ تدافع عن حوض الوطن..
- قصدك حياض ابو ابراهيم صح؟
- حوض حياض أبتفرق! و لك متتفسلف عليّ ولا .. متعمل حالك مسقف عطيزي؟ روح انقلع حيوان..

نظر أبو عبدو نظرة خاطفة  إلى أبطال الوطن الذين كانوا يعدّون المصادرات المسروقة من المواطنين على الحاجز و كروشهم المتدفقة خارج حياض أجسادهم البطلة و "شحاطاتهم" المتسخة، ثم غادر المكان متجهاً نحو آخر حاجز، و لكن لم يفتشه الحاجز أبداً هذه المرة.

 و ازداد غضب و حنق أبو عبدو جارنا و جلس على رصيف الحارة كما أخبرني أبو أحمد بائع الخضار و صار يغني:
- ما قدرش على بعد حبيبي... ما قدرش على بعد حبيبي.. أنا ليّ مين إلا ...
و جاءت سيارة شرطة بينما كان يغني و اصطحبته إلى المخفر و هو يصرخ و يبكي.

أنا: ألو .. الو .. اي أبو أحمد و بعدين ؟ راح يعني ؟ سحبوه احتياط؟
أبو أحمد: لك ما منعرف عنه شي .. فص ملح و داب.. و أخو أخته يروح يسأل عنه بالمخفر..
أنا: لعمة و أم عبدو أش وضعها؟
أبو أحمد : أم عبدو قالولي النسوان انها ما وقفت بكي .. من جهة خايفة يعملها أبو عبدو و يقطعه و يقطعها .. و من جهة تانية خايفة ياخدوه لابو عبدو عالجبهة و ما بقى تشوفه بالسنة مرة!
أنا:و العمل ما منقدر نساعده بشي أبو أحمد هاد ابو عبدو جارنا يعني من وين بدي اجيب قصص إذا اختفى؟
أبو أحمد : لك لعمة.. هاد هو .. هي أبو عبدو جاي باتجاهي.. اهلييين ابو عبدو.. خود احكي معه خود..
أبو عبدو بذاته: أهلين أبوفاروق ناكتة انشالله و ما بقى في مشكلة ...
أنا: لك طمني عملتها؟
أبو عبدو بذاته: لا ما في علي احتياط اتطمن ما جاي اسمي .. بس أخدوني عالمخفر مشان أشهد على أنه أبو لطفي جارنا قتلوه الارهابيين عم يعملوله حصر ارث اولاده و عم يزوروا موتته.. و هنيك عرفت انه ما في الي اسم ..
أنا: اي الف الحمدلله عالسلامة ... خيو هات موطن الشاهد من عندك اليوم...
أبو عبدو بذاته: يا سيدي موطن الشاهد: ليش تقعد بين القبور و يجي اسمك و تقطش الفرفور؟!
أنا: ههههه أحلى أبو عبدو ... سلامات خاي...
أبو عبدو بذاته: مع السلامة .... الله يرحمك يا ابو لطفي ... في الله..

الأحد، 26 مارس 2017

قصص أبو عبدو جارنا - أم عبدو تتجسّس على موبايل زوجها ... (8)


لم يكن يدري #أبو_عبدو_جارنا بأن زوجته تعرف كلمة سر هاتفه المحمول و تفتحه خفية كلّما سنحت لها الفرصة، فقد كانت تضبط أعصابها عندما تقرأ شتيمتها بأم عينها في مجموعة "أهل المحبة" أي مجموعة "بيت حماها" و كانت عندما تحكي لأخواتها عن المجموعة تقول لهم "حماتي كتبت بمجموعة أهل المغبة".

الاثنين :١٨-١٠-٢٠١٠
كانت ليلة شتوية باردة، و الفراش لا يمنح أبو عبدو الدفء بقي يحاول النوم أكثر من ساعة دون جدوى، أم عبدو تسللت من جانبه و اتجهت نحو هاتفه و بدأت بالقراءة كالعادة ليلاً، جنّ جنون أبو عبدو و كاد أن ينهض ليضربها و لكنه فكّر للحظات و سعل و تحرّك، فأطفأت  الموبايل على الفور مرعوبة خائفة و وضعته مكانه بلمح البصر و عادت إلى الفراش.

كان يوم أم عبدو متوتّراً و هي تتسائل بينها و بين نفسها:
- عجب عرف؟ يلا المسى بيبين اذا غيّر كلمة السرّ معناتا عرف .. و عندي قتيلة كبيرة.. الله يستر..

عاد أبو عبدو من العمل و كان طبيعياً بتصرفاته و كأنّ شيئاً لم يكن، بدأت الطمأنينة تتسرب إلى قلب أم عبدو :
- و هي اطيب أكلة "طنبورة" عأصولها و متل ما بتحبها ابو عبدو..
- يسلمن يا ام عبدو بس كأنه مكترة قلب اللوبية عحساب السلق؟
- لا عبقلك عأصولها ... شلون بدي أكتر.. صحتين و هي ليمونة..

بعد ساعات حلّ الليل و اتجه كل منهما إلى الفراش و نام الأولاد و بدأ أبو عبدو بالشخير الخفيف و توجهت أم عبدو إلى موبايله بحرص شديد...

في الصباح وجد أبو عبدو زوجته جالسة على زاوية الغرفة و كأنها لم تنم طوال الليل، عيونها محمرة و وجهها أصفر ملتفة ببطانية صغيرة، ابتسم أبو عبدو و تثائب و سألها :
- اشبك أم عبدو خير؟
- ما في شي .. بس بدي أسألك سؤال عبستناك لتفيق .. كنت
- هاتي شو القصة و الله شغلتي بالي!
- هلأ أنا أش ناقصني؟ و أش منقصة عليك ؟ و اش ما بتحب فيني؟
- له له .. و الله انتي ما في متلك انتي ام ولادي ..
- طيب .. ابو عبدو.. طيب

و قبل أن يتجه  #أبو_عبدو_جارنا إلى عمله مرّ إلى دكان أبو أحمد حيث كنّا متواعدين، و كان وجهه مشرقاً مبتسماً:
- طمن أبو عبدو أش صار معك؟
- خيو عملت متل ما قلتلي .. و زبطت الوضع ..
- اي و النتيجة؟
- ههههه النتيجة أم عبدو عبتحكي مع حالها ... قرت المحادثة و فاتت بالحيط لا بتقدر تفتح معي الموضوع لأنها مذنبة و لا بتقدر تطنشه ...
و ذهبَ  #أبو_عبدو_جارنا إلى عمله مشرقاً يقفز فرحاً فقد نجحت الخطة...

القصة أنه ليلة الاثنين عندما رآها تفتش في هاتفه، و قبل ذهابه إلى العمل نزل أبو عبدو من بيته غاضباً مكفهرّاً و حكى لي الرواية و سمعناه أنا و أبو أحمد بائع الخضار و نصحته بأن يتفق مع أهله على محادثة مفبركة.. و بالفعل تمّ ذلك و كانت المحادثة التي قرأتها أم عبدو ليلتها في مجموعة "أهل المغبة":
الحنونة: أي لك ابني هدول الجماعة طالبين مهر غالي.. يعني وافقوا انه الجازة بالسر.. و البيت صغير .. بس بدهن مقدم مليون و مؤخر مليون!
أنا (ابوعبدو): أي امي معلش البنت حلوة و بتستاهل متل القمر و بعدين بيكفي اني رح اخلص من العياط ما شفتيها ما ألطفها..
أختي الكبيرة: مبروك خيو .. مبروك ... و ايمت ان شاء الله العرس مشان احضر حالي بعرسك هداك ما فرحنالك متل العادة لانه ...
أنا(ابوعبدو): أي خلص اختي لا تكملي بعرف اش في عندي بالبيت ... و هي رح اخلص من همها ..
أخي محمد: و ايمت اخوي بدك تقلا لام عبدو؟ خلص قول هلأ .. مشان تتربى مرتي كمان ههههه
أنا(ابوعبدو): لا بكير لبعد ما اتجوز بقلا ...حضرولي حالكن ... بكرة عندي موعد فصل الحق مع ابوها للعروس..
الحنونة: أي امي نحن جاهزين و لا تنسى باقة الورد .. هديك مرتك الاولية جبتلا باقة صغيرة هي جبلا احسن و اكوس هه..

طبعاً خرجت أم عبدو من بيتها بعد مغادرة زوجها و راحت إلى بيت أهلها تروي للنسوة ما قرأت، و بدأت الحسرة و المسبات و الشتائم تنهال على أبو عبدو الخائن و على الرجال "اللي مالهن أمان" و على "أهل المغبة"، ثم بدأ اللوم يتوجّه لأم عبدو.. فقالت واحدة: "أنتي السبب، بقلك بدك تطفشي الزلمة ما بتصدقي" و أخرى قالت: "أي يا أم عبدو انتي الحق عليكي" .... فانفجرت أم عبدو من البكاء و قررت أن تتطلق من أبو عبدو و لم تعد إلى البيت...

جاء أبو عبدو إلى "بيت حماه" و أخبر عمّه بالقصة كاملة، فضحك عمه و قال له : مستاهلة ما بتقصر فيها.. بس حاجتها أنا بحكي معا جوز كلام أنه انت فركشت الجازة و ببعتلك ياها بكرة...

و تغيّرت أم عبدو من حينها بشكل كامل، و صار البيت مكاناً جميلاً بعد أن هدأت النفوس و في ليلة حمراء بعد شهرين من القصة سألت أم عبدو زوجها:
- هيك لك أبو عبدو ؟ بتتركني و بتروح بدك تتجوز غيري؟
- له يا مرة؟! معقول أعملا و أنتي حبيبتي و أم الاولاد ؟ بس أنتي خليتيني اعمل هالمسرحية لأنه عملتي غلط و فتحتي موبايلي...

لم تكن تعرف أم عبدو بأنها مسرحية و لا بأنه عرف بقصة هاتفه، فسحبت يدها من يده بقوة و عبست بوجهه و احمرّ وجهها و نامت خارج الغرفة، و عادت المياه لمجاريها و انتهت المسرحية الرومانسية، و لا زالت تحاول إلى هذه اللحظة أن تعرف الرقم السري الجديد لموبايل أبو عبدو.

موطن الشاهد: الحياة الزوجية مليئة بالأكشن و الرومانسية.

الأربعاء، 22 مارس 2017

قصص أبو عبدو جارنا - سينما الأمير +18 ... (7)

بينما كنت أحدّق في الحنفية النفطية التي تغذي حارتنا و رغوة السائل المازوتي العجيب، لمحت #أبو_عبدو_جارنا معكوساً على فقاعة مازوتية، و استدرت إليه وجدته هارباً مسرعاً مخطوف اللون، فتركت حفلة الزومبي و طابور المازوت و ركضت أسنده و أسأله، فتلفّت من حوله و أمسك يدي ثم أفلتها بقرف!!
- لك أشبك أبو عبدو؟ مالك على الحشيشة؟
- سكوت لو تعرف أش صار فيني..

سينما الأمير في حلب
#أبو_عبدو_جارنا كان في البلد و هو بانتظار موعد عمل تفاجأ بأنه مؤجّل ليوم الغد، فقرر عندما وصل إلى جانب سينما الأمير أن يدخل و يشاهدها للمرة الأولى من الداخل، خطى أبو عبدو الخطوة الأولى داخل المبنى فاقترب شخصٌ و صرخَ في أذنه و هو ينثر لعابه في كل مكان: ٣ أفلام .. ٣ أفلام.

من شباك التذاكر الذي يجلس خلفه شخص سمين مصاب بالنعاس الدائم و يأكل البزر و يبصق القشر حوله، إلى باب الدخول حيث يقف شخص يلبس بدلة رسمية وصفها أبو عبدو لي بأنها لم تغسل و لم تكوى منذ قرن، إلى الصالة التي يجلس فيها اقل من ٢٠ شخصاً، اختار أبو عبدو كرسياً وسط الصالة و كان الفيلم قد بدأ منذ وقت ليس ببعيد و هو فيلم هندي.


جلس أبو عبدو مبهوراً بالشاشة الكبيرة و الصوت العالي و بدأ الممثل الهندي برقصة غريبة و من حوله الراقصات يرقصن بسرعة رهيبة، جلس شابٌ يفصله عن أبو عبدو كرسي واحد، و بدأ الفيلم يتعمق بالرومانسية و البطلة رضخت للبطل و تحت المطر صارت ثيابها شفافة و تبلل شعرها و اقترب منها البطل.
و اقترب الشاب كرسيّاً أخيراً و صار ملاصقاً لأبو عبدو، هتف الجمهور القليل و صفّقوا و صفّروا عندما تبادل البطلين القبل،
و شعر أبو عبدو بشيء يلامس فخذه نظر إلى الأسفل فوجد كفّاً تلامسه بحنيّة و تقترب منه أكثر، نظر إلى وجه الشخص فذهل و تسمّر في مكانه لبرهة و جحظت عيناه و ركض مذعوراً حتى وصل إلى الحارة.

سألته :
- اي و بعدين.؟
- ما بعرف باسها و طلعت من الفلم..
- لك قصدي على قصتك مو على قصة الفلم ! أش صار ليش ارتعبت؟ اضربه كف و خلصت.. او غيّر محلك بيفهم!
- لك أشو كف .. أنت لو تعرف مين كان قاعد..

همس لي أبو عبدو باسم الشاب الذي كان يحاول ملامسته و الاقتراب منه، فجحظت عيناي و دون أن أتكلم بكلمة واحدة و مشيت إلى البيت و نسيت "بيدون المازوت" عند أبو أحمد و أضعت دفتر المازوت، أضعت "مكرمة سيادة الرئيس".

أبو عبدو أخبرني منذ أيام بأن الشابّ نفسه بعد أن غادر من سوريا إلى تركيا، لجأ إلى أوروبا و حصل على جنسية هناك، و بأنه أرسل لأ بو عبدو تحيّة و قلب حب على الفايسبوك فاصابه الرعب مجدّداً و حظره.

موطن الشاهد: لا تنسى المازوت عند البياع لأن مثل هؤلاء الأشخاص ملؤوا أوروبا و أنت لا زلت "مكانك صافن".

الاثنين، 20 مارس 2017

قصص أبو عبدو جارنا - دوريّة مداهمة ...(6)

بعد منتصف الليل بينما كان #أبو_عبدو_جارنا قد افترش بلاط الشرفة هارباً من حر البيت الخانق في صيف ٢٠٠٤، و بينما كان يطرد الحشرات القارصة و يبحث عن النعاس الهارب، سمع أصوات فرامل سيارات كثيرة تقف في الحي و تفتح أبوابها و تغلقها، ما أثار ريبته فقفز ليراقب ما الذي يحدث متوقعاً أن تكون إما حالة وفاة أو عرسٌ صامتٌ "على غير عادة سكان الحارة".

مدّ رأسه كالحرباء من خلال مربع صغير مفتوح بين قضبان الحديد "الدربزون" التي تعتلي قرميد الشرفة، و نظر إلى الشارع المعتم إلاّ من ضوء الشارع الأصفر على زاويتها القبلية فوق حاوية الزبالة منبع الحشرات، و رأى منظراً مرعباً مكوناً من كل ما يدفعك للخوف "كسوري أصيل": سيارات أوبل أوميغا عدد ٢ .. سيارة مرسيدس سوداء عدد ١ .. سيارة شرطة حمراء مداهمة عدد١..سيارات جيب أبيض و أخضر "كانوا جديدات خلنج" للأمن الداخلي.. عناصر مخابرات مسلحين يلبسون جواكيتهم الجلدية السوداء في كل مكان..ليتفاجأ أبو عبدو بعد نظرةٍ شاملة لم تطل مدّة ثانيتين بضوء كشاف "بلجكتور" موجه إلى شرفته و قد حوّل الليل إلى نهار و أحد العناصر صاح به : ادخل لجوا ولاك..

نتوء حديدي غرز في رأس أبو عبدو بينما كان يسحب رأسه من بين القضبان، و خلّف جرحاً قال عنه الطبيب في اليوم التالي: كاد أن يصل الجرح إلى الدماغ و قد حفر خندقاً في الجمجمة..... ثمّ ضربه أبرة كزاز.

شعر أبو عبدو بلمعة في رأسه بعد انسلاله السريع من الشباك الحديدي، و وضع يده على جرحه و تحسس الدم و ضمّده على عجل بسروالٍ داخلي كان ملقى على حافة سلة الغسيل الزهرية إلى جانبه، ثم اقترب و هو يتأوّه من حائط الشرفة ليسترق السمع.. بينما أنا كنت عائداً من سهرة "تركس" من بيت ابن عمي "سامر" في الزبدية و وصلت إلى إشارات بستان القصر التي تبعد حوالي خمسة شوارع عن بيتي و وجدت ازدحاماً غير طبيعي في المكان، و دون أن أسأل سمعت القصة من مجموعة شباب تلتها مجموعة من المسنّين الذين وجدوا من الأكشن ما يسلّي سهرة الشارع الاستثنائية.. حتى أن بعضهم كان يأكل البزر و الفستق.. فهمت بأن هناك عصابة محاصرة في الشارع الذي أقطن فيه، أشعلت سيجارة و وقفت أفكّر...

في هذه الأثناء أبو عبدو كان يبكي و هو يظن بأن الحملة تستهدفه و صار يبحث في ثنايا ذاكرته عن "التخبيصات" التي عملها في حياته و كان يحدث نفسه و هو يرتجف:
- معقول لأنه ما قطعت بيليت الباص هديك المرة ؟ عجب لأنه قلت انه لازم ينقلولنا الحاوية من الحارة ؟ لا لا ما معقول ابو احمد يفسفس عليّ.. و الله بيعملها ! هاد اكيد وقت حكينا عن المنتخب و قلتله كل اللعيبة واسطات .. لا هو كمان حكى يعني رجلينا بالفلقة سوا! معناتا وقت نزلت عالشارع وقت المسيرة و مشيت معهن غصب عني كان مبين على ملامحي انه انا مستعجل.. و لي على قامتك يا أبو عبدو... راحت عليك..

توقّفت لأكثر من خمسة دقائق قرب الإشارات بين التجمعات و استمعت إلى الكثير من القصص و لم استطع الاقتراب لأن عناصر الشرطة و المداهمة كانوا يمنعون الناس من الاقتراب من الطوق الأمني المفروض على الحارة، و بالصدفة رأيت "يحيى" صديقي الشرطي، و أخرجت من علبة السجائر واحدة و ألقيت السلام عليه :
- خدلك سيجارة بعرف الوضع سلطة و أنت متوتر.. اهلين أبو اليح..
أخذ السيجارة و بدأ برواية القصة لي دون أن أسأله.. و أخبرني عن كذبة العصابة و لماذا كل هذه الحملة الكبيرة.. و بأنها مستمرة للصباح و نصحني أن أنام خارجاً فلن يسمحوا لأحد بالاقتراب:
- هيك التعليمات يا أبو شريك..

دخل #أبو_عبدو_جارنا إلى البيت و توجه للمطبخ و حمل سكيناً و وضعه على رقبته و هو يبكي و يرتجف، إلى أن انتبهت أم عبدو و دخلت دخلتها الأكشن و هي تركض إليه و تقول: لاااااااااا
السكين تقترب من رقبة أبو عبدو....
أم عبدو تخطو الخطوة الثانية: لااااا
السكين تصل إلى قبته المتسخة بالدم..
أم عبدو تقترب كثيراً: لاااااااااااا
تلامس السكين رقبة أبو عبدو..
أم عبدو تمسك يده بقوّة و هو يستسلم بسهولة و تقول هامسة غاضبة:
- إلا هي السكينة .. إلا هي .. هي ذكرى من أمي بجهيزي.. بكرة بيعتبروها أداة جريمة و بياخدوها..
ترك أبو عبدو السكين و جلس القرفصاء و وضع يديه على وجهه و بدأ يبكي و يشهق دون صوت..

وصلتُ لبيت صديقي أحمد قرب مدرسة "اليرموك المحدثة" و طرقت الباب و بعد أن جلسنا قرب شخير أخيه "أبو الشوق" و
 بدأ حديث الهامس أيضا إذ نام كل أهله:
- بعدين قلي "يحيى الشرطي" أنه في واحد بحارتنا سابب شب صغير بالسوق.. و هاد الشب طلع ابن المحافظ و علق من طيزو الشب ..
- لعمة و ليش ما استدعوه عالمخفر؟ ليش كل هاللوصة و مطوقين الحارة و ما بعرف ايش؟
- يمكن بدو يعمل نمرة رئيس المداهمة.. و مشان يبيض وجه قدام المحافظ بتعرف انت...

خرَجَ أبو عبدو من زاويته و دماؤه قد تجمّدت على يديه و على رأسه، و رائحة الدم تضرب في أنفه، و بدأ يخطو خطوات بطيئة إلى الشرفة بعد أن حلفت له أم عبدو كل الأيمانات ذات العيار الثقيل بأن الشرطة و الأمن قد غادروا و لم يكن هو المطلوب..ثم وضعت له ملعقتين من البن لإيقاف النزيف في رأسه.. و اطمأن أبو عبدو بعد نظرة خاطفة للشارع بأنهم ذهبوا..

وصلت أنا إلى الحي و رأيت أبو عبدو أمام باب المبنى و على رأسه "منشفة" صغيرة فوق جرحه الذي تفوح منه رائحة البن ...و ألقيت عليه السلام و روى لي قصته و رويت قصتي و جاء الاستاذ هشام ملقياً السلام أيضاً و قال:
- شوف شو كان في بالحارة البارحة و نحن ما عم نعرف..
و أعطاني نسخة من جريدة البعث و قرأت العنوان:
"القبض على أخطر عصابة في مدينة حلب، متهمة بالقتل و السرقة و النهب و تجارة المخدرات و الأعضاء البشرية"

قلت في نفسي لو كان هناك مساحة أكبر في الجريدة لكانت تضاعفت التهم الكثيرة، فخالد الذي قبضوا عليه طالب جامعيّ، شاب مثقف و خلوق يعرفه كل أبناء الحيّ، مشكلته أنه لم يسكت على إهانة ابن المحافظ له و كما قال أهل الحارة "راح فيها" ...

خالد: بقي في السجن المركزي حتى فك النظام الحصار عنه... و أفرج عن جميع الشبيحة، و نُقل حينها خالد إلى السجن الجديد و لا زال محبوساً منذ ١٣ عاماً.. و يقولون بأنه أنهى حفظ و إعراب القرآن و حاز على ماجستير في اللغة العربية..
أبو عبدو جارنا: عاد إلى عمله و حفظ لسانه من بعدها و عندما قامت الثورة كان جرح رأسه و سكين حماته يدفعانه للابتعاد و التزام عبارة : الله يطفيا بنوره..
أنا: أدعو لخالد بأن يخرج من سجنه و لأبو عبدو أن يخرج من سجنه أيضاً..

موطن الشاهد: لا تقترب من سكينة حماتك.. ترتاح

الجمعة، 17 مارس 2017

قصص أبو عبدو جارنا - جريمة في البستان ...(5)


للشارع الذي كنا نقطن فيه قرب "جامع القصر" مميزات كثيرة، منها وجود سوق الفستق و وجود مسبح "النمري" الذي تعلّم كل أطفال الحارة السباحة فيه، بيني و بينكم المسبح كان بركة "لغسيل الأبقار" لكنه تحوّل لمسبح بأجور منخفضة لتاريخه المعروف و لمساحته الصغيرة و تطرّفه قرب البستان و زبائنه الخاصين من أطفال الحارة الأشقياء.

أما البستان المجاور للمسبح فقد كان يفصل بين بستان القصر و سوق الهال، و يتخلله طريق ترابي مختصر عن الطريق العام الذي يوفّر علينا اكثر من ٢ كم من المشي، و قررنا أنا و #أبو_عبدو_جارنا أن نسلكه في رحلة إلى سوق باب جنين حيث كنا نذهب إلى هناك بشكل دوري كي نشتري احتياجات البيت من الخضار و الفواكه و المونة، أي "نعمل شوبينغ"، إلى أن حصلت الجريمة و التي شهدناها أنا و أبو عبدو و قررنا عدم الاقتراب مرة أخرى من هذا الطريق المشؤوم.

في السادسة و النصف صباحاً نزلت مع #أبو_عبدو_جارنا إلى الحارة و اشترينا "كاستين سحلب" من عند أبو محمد بائع السحلب و بدأنا المشي قاطعين سوق الفستق نحو اليسار ثم إلى الطريق الترابي بين البساتين.

الطريق الترابي كان في أجزاء طويلة منه يحده من الطرفين عيدان طويلة من القصب و الذرة المزروعة فيه، و لا يسمح لنا بكشف ما خلفه داخل البساتين، و كانت نسمات الصيف المنعشة في الصباح تداعب هذه العيدان و اوراقها و تتمايل و تصدر صوت حفيف مميز لا يخرج من الذاكرة بسهولة، لكن بينما كنا في الطريق تخلل صوت الحفيف أصوات أخرى لم نستطع تمييزها، و بدأنا نتمهل في المشي ثم وقفنا سوية دون اتفاق فالأصوات كانت مريبة نسمعها للمرة الأولى، كنت اسمع شهيق ابو عبدو و زفيره و أنفاسي ايضاً و كأنهما أعلى من كل الأصوات من حولنا، و بدأنا بالتهامس:
- أش هالصوت لك أبو فاروق؟
- و الله ما بعرف يا ابو عبدو بس كأنه في حدا عم ينخبط و في صوت حدا عم يتأوه!
- طيب خلينا نمشي بيكون واحد و وحدة عشقانين!
- لا خلينا نتأكد قبل.. لا يكون حدا بدو مساعدة..

الحقيقة تسمرّنا في مكاننا و صرنا نرتجف و لم تبقى أي قصة أو صورة مخيفة إلا و زارت مخيلتي الواسعة، إلى أن سمعنا صوت خطوات قادمة باتجاهنا من خلف المزروعات و تصبب العرق من وجهينا و دقات قلبينا صارت كصوت الطبول، و لدى ثالث خطوة و لا إرادياً قررنا المشي و الهروب و أبو عبدو لشدة خوفه راح باتجاه البيت عائداً بينما اخترت ان امشي باتجاه السوق و افترقنا فجأة و دون سابق انذار دون تردد مسرعين هاربين و نادمٌ كل واحد منا لماذا لم ينتبه الى صاحبه الذي افترق عنه، الخطوات التالية و أنا وحيد كانت أكثر خوفاً و رعباً و كنت أحاول تهدئة نفسي بأن الوهم هو السبب و أن الأمر طبيعي و لن يحدث شيء و فكرة المسدس الذي سيوجهه الخارج من بين العيدان هي من ضرب الخيال، حتى صاح الخارج لي و لابو عبدو:
- وقف ولاك..

تفتحت عيناي بشدة و توقفت دون أن أنظر للخلف لعله لم يرني، و لكنه أكّد : هي أنت ابو الجينز..
نظرت للخلف و إذا به شخص يحمل منجلاً و يلبس "كلابية" لونها ترابي و يضع لثاماً "حطته الحمراء".

اقتربت منه كما فعل أبو عبدو و صرت على يساره و أبو عبدو على يمينه و بصوتٍ مرتجف و أنا أبلع ريقي:
- خير أخوي لازمك شي؟
- أنت من بيت مين ؟ و اش عبتعمل هون؟
- ليش هالأسئلة ؟ هاد طريق كل يوم منجي منه بيتي هون بالحارة و رايح على باب جنين...
- تفضلوا معي عند المعلم ...
- لا الله يديمك مستعجلين و الله ... دي روح أبو عبدو..
- أيوا .. مع بعض يعني.. و كل واحد رايح من طرف ... أي تعا معي أحسن ما تشوف شي ما بيعجبك..

سحبني من خاصرتي و أبو عبدو أيضاً و دخلنا إلى البستان خلف العيدان الطويلة، المنطقة التي لا نعرفها و التي لم نرها مسبقاً، و مشينا فوق الطين و الأتربة و بين المزروعات، بينما كنت أخطط للهروب و أقارن بين نسبة خروجي سالماً و عدم خوفي لاحقاً منهم إذا أكملت معه، و بين هروبي و بقائي خائفاً من تهديدهم لي إن لم يستطع أبو عبدو الهرب و اعترف على مكان بيتي.

وصلنا إلى كوخ قرميدي بابه من الخشب القديم داخل المزرعة، توقفنا هناك و صاح الرجل الملثم: سامي .. يا سامي
حتى خرج من الباب شخص اشقر الشعر يلبس بدلة رسمية جميلة  و أنيق الهيئة، كان اختلافه عن المكان فاقعاً لدرجة أنني "فركت عينيّ" و نظرت إليه بتمعّن أكثر من مرة، و هنا قلت بأن العملية أمنيّة و لا بدّ أن هذا ضابط ما يحاول أن ينفذ عملية مخابراتية في البستان للقبض على أحد المجرمين.

غير أنه كان هو المجرم، و الجثة كانت إلى جانبنا مرمية و مغطاة بأحد الأغطية، تحاورنا مع سامي طويلاً ثم تركنا نذهب، اختصاراً للتفاصيل كان الأول هو الأخ الأزعر "ابو علي" الذي يقتل و لا يهتم بالقانون على الإطلاق و لا يخاف لومة لائم، بينما الثاني "سامي" هو المجرم الذي لا يلوّث يديه بالدماء و يحاول أن يجد حججاً قانونية لأي مخالفة أو جريمة يرتكبها، و عرفنا لاحقاً بعد أن استطعنا الخروج و العودة إلى بيوتنا، بأن "سامي" قتل طفلة اسمها "جنى" و تضايق من الموضوع كثيراً، و كان "أبو علي" يسأله كيف قتلت هذه الطفلة أريد تفسيراً لذلك.. يا أبو القانون يا من لا تقتل أحداً، أريد توضيحاً الآن، أعطني توضيحاً.

عدت مع ابو عبدو إلى الحارة، و كما أمرنا مهدّداً "أبو علي" المخيف لم نخبر أحداً بهذه القصة بل حتى لم نتناقش بها أبداً لشدّة الخوف، فهو أكّد لنا بأنه لا يهتم بمعرفة الناس بإجرامه و قتله، فهكذا يخافون منه أكثر و بأنَّ قتلنا عنده أهون من شربة ماء.
و لا زال يعمل أبو علي و أخوه سامي إلى اليوم و يقتلان الناس، أحدهما متخفياً بهيئة انسان و الآخر يقتل دون اهتمام لا بالانسانية و لا بالقوانين و أنا و أبو عبدو ندمنا لأننا لم نحذر الناس منهما جراء خوفنا الزائد.

ما ذكّرني بالقصة رسالة من  #أبو_عبدو_جارنا أرسلها لي اليوم على الواتس أب قائلاً إقرأ هالخبر ما بيذكرك بأبو علي و سامي !

توضيح:  أَبْلَغَ اليوم الناطق باسم وزارة الدفاع الروسية اللواء إيغور كوناشينكوف إن موسكو تنتظر من وزارة الدفاع الأميركية "البنتاجون" مزيدا من التوضيحات بشأن مقتل عشرات المدنيين في الغارة الجوية على قرية الجينة السورية.

موطن الشاهد: إذا لم تستطع أن تقتل المجرم، فعلى الأقل قل بأنه مجرم و لا تسكت.




الأربعاء، 15 مارس 2017

٢٧ محاولة فاشلة ... رحلتي للدخول الى تركيا ... (1) اسباب قرار اللجوء


 لم يكن لدي أي رغبة للاستقرار في تركيا على الإطلاق، حتى أنني في زيارتي الأخيرة عام 2015 إلى تركيا لرؤية والدتي، ذهبتُ للأمنيات و استصدروا لي هوية تركية "الكملك" و في اليوم التالي مباشرة استخدمتها للدخول الى سوريا و سلمتها في المعبر و وقّعت على ورقة بعدم حاجتي للحماية المؤقتة من تركيا و بأنني أريد العودة لسوريا بإرادتي.

مغادرة بستان القصر في 2015:
اول اجتماع لمجلس الثوار في مقره الجديد و بصيغته الجديدة
-  كنت قد اخترت الخروج من بستان القصر- التي لم أغادرها منذ ولدت فيها عام ١٩٨٣- و غادرتها في نهاية ٢٠١٥ مع زوجتي و بناتي "بيسان ٣ سنوات، و شام ٢ سنة" و السكن في منطقة "شارع بغداد" جنوب حريتان في ريف حلب الشمالي بالقرب من عائلة زوجتي، خاصة بعد مغادرة والدتي و عائلة أخي إلى تركيا، إلا أنني كنت في رحلة يومية مع الموت عبر طريق الكاستيلو ذهاباً و إياباً إلى حيي الذي اختارني ثواره رئيساً لمجلس الثوار فيه مدة ثمانية أشهر.



الوضع الأمني في شارع بغداد-حريتان:
- في شارع بغداد لم يكن الوضع أفضل حالاً لا الأمني و لا الخدمي و لا الاجتماعي، فحالات الخطف و التصفية عاينتها أكثر من أربعة مرات، إحداها اختطاف شخص أمام عيني ببيكاب لا نمرة له، و الأخرى جثة شخص آخر تم اغتياله و وضعه في بداية شارع بغداد، كما عاينت "اعدام طفل بتهمة ممارسة فعل لوط" من قبل دار القضاء التابع لجبهة النصرة و المهاجرين و الأنصار و جلد آخر في ساحة كفر حمرة لأنه كفر.
رصدي لحواجز حلب على الواتس اب

- للكاستيلو حكاية أخرى، كنت قد عملت عن الكاستيلو و المناطق المحيطة به أكثر من تقرير اخباري عندما كنت مراسلاً لقناة الغد العربي:
https://www.youtube.com/watch?v=UFpDqI66OBE

القصف اليومي لهذا الطريق و المحاولات المتكررة للسيطرة عليه من قبل النظام المجرم منذ سنين جعله طريقاً للموت و للعبور إلى الجنة و ليس للعبور من و إلى المدينة.

إلا أن لجبهة النصرة رأيٌ آخر في الطريق حيث ساعدت بزيادة المصاعب و الخطورة على الطريق و وضعت حاجزاً من الملثمين على الطريق الترابي الوحيد الواصل بين المدينة و الريف، و الحاجز كان يعتقل و يختطف الناشطين و الثوار و الجيش الحر منه، لدرجة انني كنت أقوم بعمل رصد يومي للحواجز و نشره على مجموعات الناشطين و الثوار بسبب تنقلي الدائم بين الريف و المدينة، و كان الوضع مخيفاً و لم يكن قد مضى على اختطافهم لـ"أبو ماجد كرمان  زمناً طويلاً و الذي لا نعرف عنه شيئاً حتى اللحظة و هو رئيس مجلس حي الإذاعة و والد الشهيد "ماجد كرمان"، و لا لخطفهم "ريان ريان" أيضاً و هو عضو مجلس ثوار بستان القصر و أفرجوا عنه بعد ضغط ثوري و عسكري و كان يحمل على جسده علامات الضرب و التنكيل من قبل أمنييهم الملثمين.

مكان حاجز النصرة على الكاستيلو



فكنت أبتدع الحيل للوصول إلى حارتي في المدينة و العودة إلى بيتي في شارع بغداد، فمرّة أعبر مع سيارة عسكرية و أخرى أحمل هوية مختلفة و ورقة امنية و أغير مظهري الخارجي، و أحياناً أنتظر انصرافهم و أغادر المدينة ليلاً على الرغم من وجود الطائرات التي تستهدف أي شيء متحرك و كنا لا نستطيع أنا و أبو أحمد - المصور و رفيق مغامراتي الدائم- أن نشعل ضوء قداحة أثناء العبور من الطريق الوعر و المليء بالحفر الناتجة عن القصف، و في إحدى المرات تعطلت معي السيارة في منتصف الطريق، و مرة لم نستطع العبور بسبب العتمة و وجود اربعة طائرات في الجو فاستغرقت رحلتنا ١١ ساعة بدلاً من ٤٠ دقيقة.

هي تفاصيل يومية لم تكن تهمني و ربما كنت قد وصلت الى درجة من التصالح مع الموت إلى أعلى درجة، و لكنني كنت اخاف الغدر و الخطف و النيران الصديقة.





أسباب اليأس و الرحيل:
تقريري عن دحر داعش من حلب في اليوم الثاني من المعارك
في ٢٠١٥ اقتربت حلب كثيراً من الحصار، فما كان مني إلا الرجوع إليها أنا و عائلتي لمشاركة الحصار مع أصدقائي و أبناء مدينتي،  و بقيت ١٥ يوماً لكن شبح الحصار ابتعد أخيراً فعدت إلى بيتي في شارع بغداد.
إلا أن هذه الروح المثابرة و النضالية كما توصف من البعض غادرتني و لم تعد إلي لأسباب كثيرة منها حواجز النصرة و اختطافنا بدون سبب، و كان تنظيم داعش هو من سنّ هذه السنّة و قتل من أصدقائي المقربين أكثر من ثمانية، شاهدتهم مقتولين برصاصة في الرأس و وثقت موتهم و أنا أبكي في الشهر الأول من 2014 في مجزرة مشفى العيون.
و كنت قد تلقيت تهديداً مباشراً منهم إلا أنني استطعت الاختباء منهم بحماية صديقي الصدوق و القائد العسكري الثوري "أبو عبدو شيخ العشرة" الذي كان واضحاً منذ البداية في موقفه معهم و موقفه تجاه الثورة و تجاه الثوار و الناشطين و لم يكن أحد أسباب يأسي على الإطلاق.
غير أن التدخّل الروسي قلب المعادلة، ما لم أكن أصدقه هو دخولهم بشكل فعلي إلى المعارك، و اليوم الأول للخبر لم يكن صادماً بالنسبة لي بل كنت أكذّبه في أي محفل كنت أتواجد فيه، و بدأت المعادلة بالانقلاب، و القصف الروسي لم يكن طبيعياً على الاطلاق سواء في المعارك أو فوق رؤوسنا و رؤوس سكان المناطق المحررة، و كان واضحاً التفوق الرهيب في العتاد و التكنولوجيا المتطورة، و بدا اليأس يتسلل إلى داخلي، و كنت أشاهد معارك غير متكافأة على الإطلاق أهمها كان معارك الريف الجنوبي لحلب و التي عاينتها و عاينت القصف فيها بأم عيني، لقد كانت روسيا سخيّة جداً بالموت و صناعته بكل الأشكال التي أعرف و لا أعرف، و كانت ليلتي في ريف حلب الجنوبي بعنوان "الموت القريب".
تلك الليل جعلتني انتظر التحول من الدول التي تقول بأنها صديقة لنا، دون ردّ...
لقد كان واضحاً التخلي عن المعارضة و انقلاب الجميع على الثورة و الاصطفاف إلى جانب خيار تراجع الثورة و سواء لرغبتهم أو لخوفهم من روسيا لا أعرف، إلا أن هذا الموقف الواضح بالنسبة لي جعلني أضيف جميع المخاوف و الأسباب الدافعة لليأس من الكتائب العسكرية التي كانت لا تعيرنا اهتماماً بل و لا تحمينا و لا تدافع عن الثورة و مستحقاتها، لقراري في المغادرة إلى تركيا، التي لم أكن أفكرّ فيها على الإطلاق سابقاً، حتى عندما قصف بيتي و حملت طفلتي من تحت الشبابيك التي سقطت فوق رؤوسهن بكل الغبار الذي ملأ وجوههن الغضة و بكائهما الهستيري الذي لا أنساه، و ذلك الفجر الأغبر لم يغادر ابنتي شام "٣سنوات" فهي إلى اليوم تخاف الأصوات المرتفعة و تخاف صوت الأذان إن كان قريباً أو مرتفعاً، خوفاً شديداً باكياً.

في نهاية شهر شباط 2015 نزوح إلى دركوش في ريف ادلب:
امتلأت حريتان و شارع بغداد بالدماء، و تحولا إلى حالة هيسترية من الحجارة المتناثرة و الأشلاء المتقطعة و الصراخ و البكاء و الخوف و النزوح، فقررنا أن نحافظ على حياة عائلاتنا و غادرنا إلى دركوش المدينة الهادئة الوديعة المتربعة على ضفتي نهر العاصي، و بدات رحلة البحث عن طريقة للتهريب إلى تركيا و إيجاد بيت للسكن في دركوش.

و سأتكلم في التدوينة القادمة عن أول محاولة تهريب فاشلة إلى تركيا.





وائل عادل ١٥-٣-٢٠١٥
عنتاب

الثلاثاء، 14 مارس 2017

قصص أبو عبدو جارنا - مباراة مع القرداحة ...(٤)

#أبو_عبدو_جارنا راح مرة على مباراة بين الاتحاد و القرداحة، هو بالعادة ما بيحبّ المبارايات بس رفيقه أبو أحمدالخضرجي اللي صارعله راسه بالمباريات ليل مع نهار ضغط عليه و أقنعه و حتى قله عحسابي أنت روح و ما رح تندم..
أبو عبدو طلع بسوزوكي كانت طالعة من قدام جامع القصر لمشجّعي نادي الاتحاد بالحارة و انحشر هو و ابو أحمد معهن، الشباب كلهم لابسين أحمر و شايلين اعلام حمر، و معهم بزر و مي و في واحد من بيت بصّال متل ما قلي أبو عبدو وقتها كان عم يخبي "قزّ الليلة" * بكلسونه، و كانوا الكل عم يضحكوا و يمزحوا و ينقّروا على بعض، هاد بطوط و هداك طنجور و هيك..
و في زاوية تحليلية بطرف السوزوكي كانوا 3 شباب عم يحللوا وضع الفريق الاقتصادي و البدني و التكتيكي و وضع المدرب و علاقته باللعيبة، و هيك انطلقت السوزوكي الهفتانة و هي عم تجعر بالهوا بصوت حدّ، و الدربكّة شغالة و الشباب عم يهتفوا (الاتحاد الاتحاد الاتحاد... الاتحاد يا أهلي.. الاتحاد يا أهلي)**
وصلوا عملعب الحمدانية الأثري***و كان زحمة كتير و نزلوا اشتروا بطاقات من عالباب و صفّوا عالدور، هلأ أوّل شغلة زعجته لأبو عبدو هنن السعادين اللي عم يحاولوا يدخلوا ببلاش، تاني شغلة هو مصادرة العسكري لقداحته، و تفتيشه بشكل مذلّ متل ما صرّحلي..
بلّشت اللعبة و صفر الحكم و مع أوّل دقيقتين بلش الجمهور يسبّ الحكم! كانت المفاجأة الصاعقة لأبو عبدو أنه مبينة الحق على لعيبة (القرداحة) ليش عم يسبّوه للحكم؟! و تصيح المدرّجات:
 - الحكم عرصا ..دج دج دج.. الحكم عرصا..دج دج دج
قله ابو أحمد لجاري أنه :
 - هي أول مرة جمهور الاتحاد ما بيسب الفريق الخصم و لا جمهوره.. لذلك الكل متوجه عالحكم و عيلته الكريمة..
بعد الثورة فهم أبو عبدو ليش ما سبّوهم لفريق #القرداحة.. و قلي بكل صراحة:
 - انا كل ما بتذكر المباراة بتذكر نصّ الناس اللي رايحة لا بتفهم بالرياضة و لا بتحب الطابة.. جايين يفرغوا شحناتهم و يطلعوا..حتى انا يا أبو فاروق صرت اروح كل جمعة و بالزحمة باللعبة اسب و اشتم اللي بدي ياه.. من معلمي بالشغل للمحافظ للحكومة و ما حدا يحس على حدا .. كانت مباراة مسبات نحن عنا رياضة من كل عقلك؟!
موطن الشاهد: فراس الخطيب أنت رجعت على حلبة المسبات و الشتائم تحمّل إذا بتتحمل.. و كما يقول الفنان الكبير ابو عبدو:
#لطيزي_ترجع_ما_ترجع

قصص أبو عبدو جارنا - قصة الدرويش... (٣)

مرة كان #أبو_عبدو_جارنا عالبلكون عم يشرب سيكارة الصباح... باعتبار أم عبدو كانت ولدانة جديد و ما عم تخليه يدخن بالبيت ... المهم شرب شفة من القهوة و حطها على حرف البلكون و زح الشادر"البرداية" ورا ضهره و عم يتفرج على هالسيارات و الناس جاي و رايحة على سوق الفستق اللي بحارتنا....
سمع اصوات عالية و وجّه راداراته بسرعة نحو الصوت و شاف تجمع ناس و واحد معصب و عم يعمل عنتريات و يبعد الناس و من كتر مو معصب كان ينبحّ صوته و هو عم يصرّخ...
أبو عبدو ما فهم السيرة و لكن بقي عم يتابع، و الناس مع المعصّب تروح يمين متل موج البحر و ترجع شمااال ... من هالرصيف لهالرصيف... و صار شوية ضرب و بعدها انفضّت كالعادة انه المعصّب صاح : خليك هون اذا زلمة ... و غادر المجموعة ... يعني سوق الفستق ..
و رجع شرب ابو عبدو شفة قهوة و رجعت العصافير تزقزق بالحارة و دخل أبو جمعة عالبيت و هو متطمن أنه رح يعرف القصة من أبو احمد الخضرجي ...
بس لسه ما بلش بجلي فنجانه القهوة "باعتبار أم عبدو عم ترضّع الصغير" ..سمع اصوات أعلى من قبل.. و ركض عالبلكون و شاف شلة مسلحين بالسلاح الابيض تحت ..شي سكاكين و شي شنتيانات و شي سيوف و لا كأنه فلم عنترة ابن شداد...
و سيطر المعصّب و جماعته عالوضع و مسكوه لغريمه اللي طلع ابو عثمان جاره لابو عبدو الطابق الاول ..الدرويش .. و صار يشحطه المعصّب بالحارة و يصيح و يسب : الزلمة اللي من ضهر ابوه ينزل يدافع عن هالعرصا.. و هيك و هيك بخواته بدي اعمل .. و بدي افعل هيك بالحارة و رجالها.. و ما ترك مسبة .. أبو عبدو رجع راسه لورا شوي و حط البرداية تبع البلكون على راسه و عمل حاله مرة و رجع يتابع القصة ...
بعد ساعة مناوشات و بعد ما تعبت الشوارع بالأدمية و فش قهره المعصّب .. اجت الشرطة و فضت الجموع و أخدوه للمضروب عالسيارة و مسحوا فيه الأرض.. قال ابو عبدو لحاله: أكيد هداك مزبط وضعه مع الشرطة لأنه سمعه للمعصّب عم يقول عالتلفون: عدّي عالمخفر عطيهن خمسة الاف و تعا لعندي انت و الشباب فزعة...
مالكن بالطويلة ... أبو عبدو طلّع حواليه وقت خلصت المشكلة و شاف كل رجال الحارة عالبلكون حاطين ايشاربات على روسهن و عم يتفرجوا و تبادلوا الابتسامات و الباي باي و دخلوا على بيوتهن...
قالتله أم عبدو: يا عيب الشوم عليكن عملتوا حالكن نسوان ما في زلم بالحارة ؟
قال لها: أم عبدو المرجلة أنه انزل آكل قتلة من هالازعر؟
قالتله: لك هي حارتك و عرضك ! و عم يسبك بدون سبب..
قال: طيب خلي غيري ينزل .. ما في غير ابو عبدو .. و دار وجهه و أضاف: هه
 قالتله: لك لو تجمعوا حالكن متل البشر ما كل واحد يهرب و يقول أش بدي .. ما كان صار هيك .. بكرة بيجي غيره و البعدو غيره .. و كل واحد فيكن بدو ياكل قتلة متل ما اكلها أبو عثمان...
بالفعل اجاه يوم لأبو عبدو و من كتر ما أكل قتل .. ترك البيت و هج عالضيعة .. و قال لمرته:
 أي و الله طلع معك حق يا ام عبدو .. كان لازم نجتمع و نقلعه من الحارة ..
موطن الشاهد: لا تكون درويش ... لأنه ما حدا رح يوقف معك من أهل حارتك...

قصص أبو عبدو جارنا - زيارة الموت... (٢)

كان يوم سبت بشتاء 1989 و انا كنت صفّ أوّل .. مصروف و الدنيا رعد و برق و مطر كبس.. كان بيتنا بـ(تلّة السودة) قبل ما نتطوّر و ننتقل لبستان القصر بال 1990..
تلّة السودة منطقة تقع ضمن اللاخريطة جغرافياً .. يعني بتذكّر بنايتنا كانت مايلة و كان كلّ ما تعدّي سيارة شحن كبيرة بالحارة يرقص بيتنا ذات اليمين و ذات الشمال...و بعدين وقعت البنايات كلها بال1996 على ما أذكر..
مالنا فيها.. 
أبو عبدو جارنا كان وقتها اسمه صالح و لسه ما كان متجوّز و كان يبيع بليلة.. و على قولة أمه:
 - يا حسرتي عليه كل يوم بدو يجرّ هالعربية من هون لساحة سعد الله و ما بيرجع لحتى ينفّق آخر عرنوص..
منرجع لليوم الشتَوي اللي كان مَفصل من مفاصل طفولتي.. يومها و أنا راجع من مدرستي و لابس جزمتي المشمّع الفقيرة و عم نط بين بقع الميّ... شفته لصالح من بعيد و هو عم يشيل عرانيص الدرة من المي المغلية و يضرب فيهن حاله و يبكي و يصيح!!!!
 انجدبت و ما استوعبت اللي عم يصير! قربت بهدوء و سمعته عم يصيح: يا يابوو يا يوووب..
قالتلي أمي أنه أبوه مات ... ما استوعبت القصة و انسليّت بعد كم ساعة بين الناس اللي متجمعين بصالون بيتهم المعتم و الفقير .. و عم يكتّوا مَي على شي ... قربت و شفت محمود ابن جيراننا اللي امي ما بتخليني احكي معه.. قلي: تعا شوف شلون عم يغسلوه لأبو صالح !!!
كرهت الشتاء.. و كرهت حالي.. و الكوابيس ما عادت تغادرني .. و طفولتي المشرّدة تشرّدت أكتر..
عبحكيله هالقصة من شي سنة و نص لأبو عبدو جارنا .. انه انتزع عقلي يومها وقت شفت الميّت.. قام ضحك و صاح لعبدو الصغير:
- ولاك عبدو .. كم تخسيلة ميّت صار حضرت؟
 - أبوووووو .. كتير يا يوب .. و انا على طول بعطيهن القطنة!
قلتله: و مبسوط ؟! شوّهت طفولته للولد يعني..فرحان ؟
قلي ابو عبدو:
- يا أب فاروق .. يا خاي.. بحارتنا بس ما مات فوق العش تالاف زلمة؟
 لك بشارعك هاد ما مات فوف الالف؟ لك ضل للموت رهبة؟ من كل عقلك ! الولد صار شاف مشكل ملون و صار الموت عنده متل شربة الميّ.. بتعرف من أشو بخاف عليه؟
قلتله:
- لا و الله ما بعرف! تفضّل عرّفني؟!
قلي:
 - من الكهربا وقت بتجي .. شلون بدي أشرحله أش هي الكهربا النظامية و هو ما بيعرف غير الامبير و الليدات..و الله بخاف تتشوه طفولته بشوفة طلّتها البهية ..شيل عني قال موت..
#موطن_الشاهد: الموت كان عم يزور حارتنا أكتر من الكهربا بحسب نظرية #أبو_عبدو_جارنا ..

قصص ابو عبو جارنا - سيمفونية الصيف بالحارة ...(١)

حارتنا بالصيف كانت سيمفونية، خصوصي بين العصر و المغرب وقت كان يرشرش ابو احمد الخضرجي هالميّات قدام محله و يصيح (ريانة يا بندورة)..
يكون معدّي حصان عم يطقطق عالأرض بحدواته و صاحبه عم يبيع توت و ينادي (كربج يا حلاوتووو) ..
 و أحياناً كان جمال حفار "المؤذّن" يأدّن بالشارع بدون إذاعة وقت تنقطع الكهربا، و طبعاً شجرة التوت الكبيرة عالزاوية القبلية من الحارة فيها عصافير أصواتها مشاركة بالمعزوفة، و درويش الحارة عمّوري اللي دايماً فرحان يصيح: يرحم روحك..فرجيني الصورة...
و ما بيخلى الأمر من حدا عم يصيح من تحت بيت رفيقه : عمر..يا عمرررر... انزيل خيووو
و عند معمل البوظة اللي معبّي الحارة بريحة الفانيل الطالعة من براداته، عزاوية الحارة الشمالية جنبه كان في رصيف فيه حفر صغيرة الاولاد بيلعبوا فيها بالـ"كلال" أو(الدحَل) و ضجتهن بين بعض نفس ضجّة العصافير تبع شجرة التوت...
#ابو_عبدو_جارنا ما كان يحبّ هالأصوات و يعتبرها صرعة.. و يقول بينه و بين حاله أنه لازم تلتغى هي  شغلة الكديش اللي بالحارة شي "خبز ميكن للبيع" و شي "تراب احمر".. و لازم الاولاد يعملولهن حدايق للعب، و لازم الجامع ما تنقطع عنه الكهربا، و لازم معمل البوظة يكون بالمنطقة الصناعية...
 هيك كان يقول بينه و بين حاله..
و مرة حكالي أنه كان عم يحكي مع حاله بهالقصص اللازم و ما لازم.. عدّت سيارة شرطة من قدامه.. قام طب راسه بالأرض و صار يقول بينه و بين حاله: بالروح بالدم...
بعد ما دمرت طيارات النظام الحارة، وقفّت السيمفونية، و عمّ الهدوء و ما بقي بالحارة لا جامع يتأذن قدامه و لا معمل بوظة ريحته معطرة الشارع، و لا بقي شجرة توت و لا اولاد تلعب بالكلال و الصياح...
ندم أبو عبدو جارنا..و قال يا ريتني ما قلت شي... بعدين قال لحاله يعني لا يموت الديب و لا يفنى الغنم.. بعدين قال لحاله: الله يطفيا بنوره أحسن شي...
موطن الشاهد: افهم الدنيا صح .. لانه الزمن دولاب
 هيك قلي ابو عبدو جارنا.. اي و الله

الاثنين، 13 مارس 2017

الأفلام المصرية مؤخراً.. أحياناً يمكن أن ندعوها أفلاماً

من المفروض أن تحاول السينما العربية -خاصة المصرية منها- التفوق على ظاهرة أفلام اليوتيوب أو فيديوهات وسائل التواصل الاجتماعي أو منافستها بجديّة على الأقل، لكن الذي لم أفهمه هو مستوى المادة المرئية المتدنّي التي تقدمها السينما المصرية  الكوميدية منها خاصة!

ربما يكون فلم "توم و جيمي ٢٠١٣" من بطولة "هاني رمزي" أول ما يتبادر إلى ذهني كمثال عن الكوميديا المصرية السيئة و التي من الممكن أن تكون مثالاً مناسباً لأي كاتب أو سيناريست مبتدئ يوضع هذا العمل أمامه كأسوأ ما يمكن عمله أو ليحذَر من الكم الهائل من السذاجة و الصراخ و التفكك و كل العناصر السيئة المجتمعة في الفلم.

"هاني رمزي" الذي عرفناه بدايةً في فيلم "صعيدي في الجامعة الأمريكية" مع هنيدي، ثم استطاع أن يلعب على وتر الوطنية في فلم "عايز حقي" الى فلم "محامي خلع" الذي سلّط الضوء فيه على قضية اجتماعية بكوميديا خفيفة كان جيداً فيها، لكنه بدأ بعدها بالانحدار الى أفلام استعراضية لا تتناسب مع شكله و أسلوبه في تقليد أعمى لأفلام هوليودية مثل فلم "نمس بوند" و فلم "أسد و أربع قطط" و غبي منه فيه" التي كانت أفلاماُ خفيفة تقدّم تهريجاً و استعراضاً لا أعلم سبب ابتعاد السيناريو فيها عن الترابط و عدم تقديم الفكرة أو طرحها بشكل مفيد و غني!

أما فيلم "توم و جيمي" فهو مثال حقيقي للانحدار الذي يتوازى فيه صاحبنا "هاني رمزي" مع الاستعراضيات المصريات اللواتي يقدمّن أغانٍ ساذجة رخيصة مليئة بالقرف و الصراخ و الاستعراض الفارغ من المضمون.

الحقيقة ما يدفعني للحديث عن هذا الفيلم هو أنني شاهدته بالصدفة اليوم على اليوتيوب و الحقيقة لم استطع متابعته كاملاً فقد كنت استعمل زر التقديم حتى أنتهي من مشاهد التكسير و الصراخ و من شكل هاني رمزي أو "توم" و طريقته في الكلام بفمه المنفوخ و "عبطه" المصطنع على أنه شخص في الثلاثين بعقل طفل عمره ٧ سنوات.

ليس الفيلم المصري الوحيد الذي يدل على انحدار صناعة السينما في مصر، و لكنه مثال على تأثير انحدار هذه الصناعة على النجوم، ففيلم "حسن و بقلظ" المنسوخ عن فيلم أميركي شهير هو "Stuck on you" لمات ديمون وغريغ كينير، يوضح بأن التقليد الأعمى لا يأتي بنتيجة بل تتحول عبره الكوميديا إلى سماجة تصل الى حد القرف، فالفيلم يتحدث عن أخين ملتصقين ببعضهما و لكنني أشعر دائماً في محاولة التقليد لهذه الأفلام بأن الكاتب أو السيناريست هو واحد من اثنين: أما شخص سطحي و يرى الأشياء و الأفلام الامريكية بسطحية شديدة، أو أنه يحاول أن يجعل الفلم شعبياً فيسقط في مستنقع التقليد الغبي.

و يحضرني العديد من الأفلام التافهة من وجهة نظري و التي أتأسف على الجنيهات التي صرفت على انتاجها مثل: "كلب بلدي" الذي يتحدث عن شخص نصفه كلب و نصفه انسان و لا يستطيع الفلم امساك الحبكة و تقديم كوميديا مبتكرة، و فلم "حملة فريزر" الذي يتحدث عن فترة برد شديد تمر على مصر و يكتشف ابطال الفلم ان جهازاً يتحكم في حرارة الدول هو السبب في انخفاض درجة الحرارة، و تتكرر هنا السطحية في تناول الفكرة و النكات المتكررة و الغير مضحكة، و فلم "القرموطي في ارض النار" الذي يتحدث عن رحلة القرموطي الى مناطق داعش و تدريبه ثم أمرهم له بتنفيذ عملية في مصر لكن بطريقة سطحية جداً جداً و الخطابة المباشرة السمجة، و فلم "ياباني أصلي" الذي يتناول مقارنة بين المجتمعين المصري و الياباني حيث يحاول بطل الفلم حضانة ولديه الذان كانا يعيشان في اليابان مع أمهما اليابانية التي انفصلت عن البطل، و بشرط من السفارة اليابانية انه خلال ستة أشهر يخضع الطفين فيهما لمراقبة صحية و تعليمية إذا حافظ على المستوى فتحق له الحضانة، لكن الفلم يحاول تقليد "عسل أسود" لأحمد حلمي بطريقة فاشلة و غير مترابطة و حبكة لا منطقية و هزلية مقيتة.

الحديث يطول و الأفلام السطحية و المرتبكة كثيرة و لا أعلم السبب بصراحة و متفاجئ، حتى نجوم مصر كأحمد حلمي و إمام و الفيشاوي و غيرهم..يقعون في نفس المطب "التفكك و السطحية" في أفلامهم الأخيرة مع أن أفلامهم تقدم نكتة مضحكة و أداء أقوى للمثلين و للفريق الفني، بالإضافة إلى حبكة أفضل بكثير و أستطيع كمشاهد متابعة أفلامهم حتى نهايتها.

أتوقف هنا عند ظاهرة لاحظتها في الأفلام المصرية مؤخراً أيضاً لا أعلم مدى سلبيتها، و هي تكرر وجوه الممثلين كـ"أحمد فتحي" و "بيومي فؤاد" و الذي تكرر في ١٣ فلم خلال عام ٢٠١٦ فقط و هي :
- لف و دوران - ٢٠١٦
- البس عشان خارجين - ٢٠١٦
- كلب بلدي- ٢٠١٦
- حملة فريزر- ٢٠١٦
- سطو مثلث - ٢٠١٦
- أوشن ١٤ - ٢٠١٦
- خيال حلمي- ٢٠١٦
- أبو شنب - ٢٠١٦
- كدبة كل يوم - ٢٠١٦
- عسل أبيض - ٢٠١٦
- جحيم في الهند - ٢٠١٦ 
- كايرو كاتي كوت - ٢٠١٦
- جحيم في الهند - ٢٠١٦

و بالأصل كنت قد شاهدته مكرراً ايضاً بنفس بروده و نكاته بدور السجين  في فيلم "كابتن مصر" مع محمد إمام، و مسلسل "الكبير قوي" مع أحمد مكي.

في الختام أقول لصناع الأفلام المصرية بلهجتهم "في إيه؟؟" ... فصناعة المادة المرئية في الوطن العربي  بدأت بالتعري بعد انتشار وسائل التواصل الاجتماعي بأنواعها، و عبر كميرة موبايل و قناة يوتيوب أو صفحة فايسبوك استطاع الكثير من الموهوبين المغمورين الوصول لملايين المتابعين و المشاهدين دون أي رقيب أو سياسة هذه القناة أو تلك أو هذه الدولة أو تلك، و أنتم تقدمون للعرب و للمصريين هذه السينما السطحية و الهابطة و المقيتة! على ماذا تعاقبون المشاهد العربي الذي بدأ يشعر بالملل الشديد و القرف من السينما المصرية، و أتمنى من كل قلبي أن تعود هذه المنصة الساحرة إلى مكانتها و إزاحة المتسلقين و التجار بعيداً .. و بعيداً جداً.

وائل عادل - آذار -  ٢٠١٧