السبت، 17 مارس 2018

قصص أبو عبدو جارنا - أبو حمدو الزنكيل ...(18)

بحارتنا لا تستطيع تمييز العامل من الموظف من التاجر، فبستان القصر كانت ضد التمييز الطبقي رغماً، ليست قناعة و لكن ظروف الحارة تفرض عليك أن تلبس حلتها، فالجميع يلبس الكلابية البيضاء يوم الجمعة مثلاً، و الجميع يحلق لحيته يوم الخميس و يحمل "فروجة مشوية" من عند "فروج يا لذيذ يا رايق" أو "بركات" أو "البغدادي" أو أو .. ما شاء الله حارتنا فيها 20 محل للفروج المشوي..
ما علينا..
كانت هذه المقدمة حتى نعرف لماذا أخطأ #أبو_عبدو_جارنا بتقييم أبو حمدو الزنكيل، القصة و ما فيها أن ابو عبدو دخل إلى محل أبو أحمد الخضرجي و طلب كيلو أجاص "عرموط" بالحلبي.. و ضحك أبو حمد الجالس على كرسي حديدي صغير إلى جانب أبو أحمد، فجن جنون أبو عبدو و سأله:
- و ليش عبتضحك يا حمودة؟
و حمودة استصغار للشخص .. لأنها دلع و تصغير لاسم أحمد و محمد.. فانتفض أبو أحمد من كرسيه و هبّ قائلاً:
- ابو عبدو .. الزلمة عبيضحك على نكتة حكيتله ياها.. انت اش حشرك بالنص؟
و استمر النقاش و الصراخ بين إنه يضحك على سؤالي.. و بين يضحك على النكتة.. بينما أبو حمدو كان مستغرباً...
مرّت الأيام و عاد أبو حمدو الزنكيل بسيارته الفارهة للحارة بمشروع ذهبي .. المشروع أن يأخذ أبو حمدو الزنكيل منك أموالك و يعطيك أرباحاً شهرية بنسبة 10 بالمئة.. و بالتدريج كل الحارة أودعت كل ما تدّخر لديه إلا جارنا ابو عبدو.. و بدأت الحارة تنتعش.. زبدية اشترى تلفزيون .. و أبو محمد اشترى غسالة .. و كل يوم يشاهد سكان الحارة يجتمعون في زاوية الحارة قرب عيدو أبو البوظة.. و لا أحد بات يذهب للعمل سوى أبو عبدو.. و بدأت أم عبدو "تنخر في عظامه" كما قال لي:
- أم عبدو صرعت طيزي يا أبو فاروق.. على ليش و نحن أحق.. و ببيع الدهبات..
- يا أبو عبدو انت خليك بشغلك و خلص مو تقاتلت معه؟
- أبو فاروق صحي أنت حطيت معه مية الف بالسر و ما بدك تحسس حدا؟
- هلأ انت التهي بحالك و بمشكلتك..
- يعني حطيت؟
- ما حطيت اتطمن أصلاً ما معي و لا فرنك و لو معي ما بحط..
- طيب تعا اقنعلي أم عبدو !

و قررنا أن نقنع ام عبدو.. و عينت أمي لجنة من نساء الحارة الذين لم يمتلكوا نقوداً لوضعها مثلنا مع أبو حمدو أو الغير مقتنعين.. و بعد ست ساعات حوار و نقاش خرجت النسوة بخفيّ حنين.. لم يستطيعوا اقناعها..
مرت الأيام و مضت أكثر من سنة .. و عوّض أهل الحارة نقودهم و فوقها حبة مسك.. ثم أغلق أبو حمدو تجارته و أعاد الرأسمال لأصحابه بليلة خاطفة و بسرعة.. و لم تتحقق نبوئتي بأنه سيكون نصاباً و لن يعيد النقود لأهلها.. و كانت ليلة ارجاع النقود ليلة ندم و شؤم عليّ و على أبو عبدو و خاصة على رأس أم عبدو التي كانت تبكي و تندب حظها طوال تلك الليلة..

صباح اليوم التالي استيقظنا على صراخ أبو أحمد الخضري.. ركضت إلى الشرفة و رايته يركض بقميصه الداخلي ذهاباً و اياباً و هو يصرخ و كأن ميتاً مات له.. خرج أبو عبدالله السمين صاحب الشارب الكث و الصوت الأجش و صرخ من شرفته:
- اشبك لك أبو أحمد انسرقوا مصاريك كني؟
- لك يا ريييت انسرقوا يا ريت.. ااااخ يا ابو عبد الله ..
- لكاااان اش في ماتت مرتك ام أحمد؟
- لك يا ريت .. يا ريت..
- لكان اشبك لا تخليني اشلف هالشقف الزرع فوق راسك و اخلص منك  و من صريخك هه...

و اجتمع رجال الحي كلهم بالقمصان الداخلية يتباكون و يصرخون قرب دكان أبو أحمد.. كان فجر ذلك اليوم ممتلئاً بالضجيج و الصراخ و العويل.. و  أبو عبد الله السمين أصيب بجلطة و أسعفوه للمشفى..
بعد أن اكتشف أبو أحمد أن النقود التي أعادها ابو حمدو مزورة..
 و تبعه أبو عبد الله .. و الجميع ..
نظر إليّ أبو عبدو جارنا و أخفى ضحكته.. و أنا رفعت كتفيّ أن لا أعلم..
أمي اشتفت بأم عبدو .. و أشبعتها كلاماً طوال أسبوع كامل..
و أنا و أبو عبدو كنا نحاول عدم الظهور أمام أهل الحي الذين كانوا يقولون عنا أغبياء و لا نفهم..
موطن الشاهد يا شباب:
اعمل اللي براسك .. و قول "عرموط" و لو ضحك الزنكيل أب حمدوووو