الأربعاء، 8 نوفمبر 2017

بعد عام و نصف في تركيا.. مفاجآت رحلة العودة الى سوريا



لم أتوقّع أن يكون الغياب عن سوريا لمدة عام و نصف غربةً، فأنا أتابع تفاصيل الأخبار اليومية عبر مواقع و مجموعات التواصل الاجتماعي، و  لكن القرار الذي باغتّ نفسي به و هو العودة من عنتاب إلى الباب شرقيّ حلب لأستقرّ هنا بعد خروج داعش و خلوّ المنطقة من جبهة النصرة و توقّف القصف..
كان قراراً مفاجئاً.

تبدأ الرحلة عبر بوابة الزمن "معبر باب السلامة" و الذي ينقلك من مدينة كلّس التركية إلى اعزاز السورية، نعم هي بوابة زمن حقيقية، حيث تفاجئك في لحظة دخولك لسوريا كميةٌ غريبة و صادمةٌ من الصور، أولها الغبار و الأتربة التي تملأ الجوّ هنا و لم تكن موجودة في تركيا منذ لحظات، من ثمّ شكل السيارات المترهّلة و العدد الهائل من الدراجات النارية التي تصرخ ملأ صوتها.

الصورة الثانية كانت لرجل خمسينيّ أسمر يلبس "جلابية و حطّة حمراء"  بشاربه الأسود الكثيف و سيجارته "الوطنية" الطويلة، دفعت هذه الصورة الدماء مجدداً بقوة في كل انحاء جسدي و خفق قلبي ودّاً و دفئاً و شوقاً، لم يغِب هذا العمّ مطلقاً عن أيّ صورةٍ لسوريا في المخيلة أثناء الغياب ، لكنني أراه أمامي و تمنيت أن أضمّه و أبكي بقوّة، غير أنني تماسكت حين أشار لنا سائقُ سيارةٍ فضيّة اللون للصعود معه باب سيارته الخلفيّ لا يُفتح من الخارج و زجاجها شباكها اليساريّ استبدل بآخر بلاستيكي،  سألت صديقي إن كان يحمل عملةً سورية ليدفع أجرة التكسي فابتسم و قال لي: لا أنت عن جد صاير سائح!

لم أفهم جوابه إلا بعد نزولنا من السيارة و شكر السائق الذي أقلّنا بطريقه كمساعدة دون أجرة!
حقيقةً كنت قد نسيت تقريباً هذه الطيبة و الشهامة منذ انصهرت بمجتمع عنتاب.

بعد وصولنا إلى دوّار "سجّو" الذي يقع في منتصف الطريق بين اعزاز و المعبر استقلينا حافلة ركاب "سرفيس" و كانت أجرة الراكب 500 ليرة سورية، لم أُصدم كثيراً من الرقم فذاكرتي لم تعد تحمل أية معلومة عن المسافات و الأجور، دخل السرفيس إلى كراجٍ على يمين الطريق و هناك يجلس ثلاثة أشخاصٍ لا يضحكون على كراسٍ معدنية فتح أحدهم عابساً باب السرفيس السحاب بقوّة و سألنا من اين اتيت و الى اين تذهب و اسمك و عملك..
قلت له مراسل قناة... ربما لم يسمع اسم القناة فقاطعني ببعض ابتسامة: يعني اعلاني!
و لم يأخذ بطاقتي الشخصية تكريماً لي.. لكنه اشار بالنزول لرجلٍ اربعيني يلبس "جلابية" بنية متسخة و اشعث اغبر ، زوجته التي ترتدي ملابس ريفية بدأت بقراءة المعوذات بعد أن أخبرها : مالي مطوّل..جاي جاي..
خمسة دقائق طويلة غاب الرجل الأشعث فيها داخل المبنى و زوجته تتعوذ و تقرأ و تدعو له و ابنها الصغير يكرر سؤاله دون كلل أو ملل : وينه بابا..وين راح بابا؟
و عاد الرجل و انطلق السرفيس و وصلنا إلى اعزاز.
استقليت سيارة أجرة من اعزاز الى الباب، بعد أن حوّلت ما امتلك من العملة التركية الى السوريّة، صدمني رقم الأجرة فأول سائق طلب 17000 ليرة و الثاني 15000 و العم ابو ديبو بسيارته من نوع "سابا" طلب 11000 ليرة فاخترت الذهاب معه.

كان الطريق طويل جداً بسبب الحفر و الحفر و الحفر، فالمسافة 60 كم فقط استغرقت معنا ساعتين للوصول، و أثناء الرحلة رأيت أطفالاً يشيرون باصبعهم السبابة للسيارات بيدهم اليمنى و يحملون باليسرى مجرفة طويلة.. سألت العم "ابو ديبو" عنهم فقال بأنهم يردمون الحفر في الطريق و يأخذون 100 ليرة من السيارات المارة اجرة عملهم و هناك من يدفع و هناك من لا يدفع.
الاطفال يسكنون في خيامٍ على جانب الطريق، تملؤ وجوههم البريئة الاتربة الحمراء و السمرة الشمسية الفاقعة، توقف العم الى اليمين بطلبٍ مني لاصوّر طفلة صغيرة و فاجأتني بخجلٍ و براءة لم أكن اتوقعها ابداً فهي تعمل في الشارع و تتعامل مع سائقي السيارات، و لم تجاوبني على أي سؤال، و تابعنا المسير.. إلى أن وصلنا إلى الباب و هناك توالت المفاجآت..

يتبع..